السبت، 30 مايو 2015

منحوتات الإنديك .... والممالك الهندية في جنوب شرق آسيا - مقال شذى يحي - بمجلة المجلة عدد أغسطس2014

أقام متحف الميتروبوليتان "نيويورك" مؤخراً معرضاَ ، بعنوان ممالك منسية "المنحوتات الهندوسية و البوذية لممالك جنوب شرق آسيا القديمة في الفترة من القرن الخامس إلى الثامن الميلادي" بهدف كشف و إبراز الأثر الهندي على النحت في مناطق مختلفة من جنوب شرق آسيا ، و متحف المتروبوليتان ، ليس المتحف الوحيد الذي اهتم بجنوب شرق آسيا ، فلقد سبق أن أقيمت معارض عديدة لمقتنيات  هذا النحت المميز في العواصم الأوروبية المختلفة ، ورغم أننا الأقرب إلى حضارات آسيا ، فإننا مازلنا لا نعرف الكثير عن فنون الشعوب الأسيوية التي تربطنا بها أواصر حضارية عديدة تستوجب إلقاء الضوء على منجزها الحضاري ، من أجل التعريف بحضارة و فنون الشعوب العريقة التي تشابهت نشأتها المدنية مع نشأة مجتمعاتنا و حضاراتنا ، بل تفاعلت معنا و تفاعلنا معها عبر محطات حضارية مختلفة منذ العصور القديمة و حتى العصر الحديث .
 فقد كان شمال الهند النقطة المركزية لنشأة ما يعرف بحضارة الأنديك "حضارة الشعوب المتكلمة بلغات ذات جذور هندوأوروبية او شهد أول تجمع حضري ظهر في المنطقة ففي فترة مقاربة لنشأة الحضارات الإنسانية الكبرى على ضفاف النيل و الرافدين ظهرت حضارة أخرى عريقة على ضفاف نهر الهندوس و كمثيلانها على مر التاريخ انتجت هذه الحضارة فنونا عبرت عن مراحل تطورها و اضمحلالها و بيئتها و أفكار و ظروف من أبدعوها  و تذوقوها و اقتنوها ، و عن رؤيتهم و توافقهم و تكيفهم مع ما حولهم وانتقلت هذه الأعمال الابداعية وتقنيات ابداعها و الأفكار و الرؤى التي كانت وراء إبداعها لمنطقة واسعة من جنوب آسيا و على مراحل زمنية و فترات طويلة لعدة أسباب كان أهمها العلاقات التجارية المتبادلة على نطاق واسع بين الهند و الممالك و القبائل المجاورة لها في جنوب آسيا عبر الطرق البرية و البحرية و المستعمرات و الممالك التي أنشأها الهنود في تلك المناطق ، و المناطق التي احتلوها و نشروا فيها ديانتهم الهندوسية على مذهب الشافيزم "عبادة الإله شيفا" و تلتها البوذية بعد ذلك مما تطلب إقامة التماثيل و المعابد و نشرالقصص و الروايات التي تحكي عن إله و تمجده ، ثم تأليف فياس و فالميكي للملحمتين الشهيرتين الرامايانا و المهابهارتا  اللتان أشعلتا المخيلة الابداعية للفنانين الجنوب آسيويين حتى يومنا هذا و ساهمت بقوة في الربط الثقافي بين الهند و أنحاء جنوب آسيا فالأولى مكرسة لقصة الإله راما الهندوسي و الثانية في تاريخ نشأة الهند و ملوكها و قد تم تأليفهما في نهاية عصر حضارة الهندوس و اتخذتا شكليهما النهائي في القرن الرابع الميلادي في حقبة أسرة الجوبتا . 
و لهذه الأسباب الثلاثة أصبحت الفنون و الثقافة و الإتجاهات الفكرية السائدة في الهند على مر الحقب مكون رئيسي و محوري في ثقافة جنوب آسيا بصفة خاصة في الفنون و إن كان أعيد تحويرها  و تطويرها لتتفاعل و تتكيف مع الإختلافات في الظروف و البيئات و الأذواق و الطابع الخاص لكل منطقة حلت فيها متأثرة أيضاً بالمؤثرات و الثقافات المحلية للمجتمعات التي وفدت عليها ، و قد كان لفن النحت و ما زال أهمية خاصة جداً بين الفنون الأسيوية المتأثرة بالحضارات الهندية فهو فن تمثيل الإلهة و الملوك و القديسين في التمثال يختزن جزئ من الروح ليتصل بها المشاهد و يتواصل معها و تتبدى تلك الأهمية منذ النشأة الأولى في النماذج النحتية المتبقية من حضارة وادي الهندوس "الهاربا" في موهانجادارو و التي كانت و بلا جدال أهم الإنجازات الفنية لشعب الهاربا لأنها حملت مستوى تعبيري رفيع بالإضافة إلى دقة الصنعة خاصة في صب البرونز و تمثال فتاة موهانجادارو الراقصة "2500ق.م" واحد من أكمل التماثيل و أدلها على القواعد الجمالية للنحت في هذا العصر ، على أن الهنود عرفوا خلط السبائك البرونزية في وقت مبكر جداً و برعوا في صبها و تشكيل أعمال فنية منها .
و بدأ الإحتكاك الهندي بجنوب آسيا في بدايات الألف الأولى قبل الميلاد عندما أنشأ التجار الهنود ممراً تجارياً لإيصال السلع الفاخرة من جنوب الصين و أطرافها إلى الإمبراطورية الرومانية و كان لابد أن يمر هذا الطريق براً و بحراً بما يعرف اليوم بدول تايلاند و فيتنام و كمبوديا و بعض جزر أندونيسيا و أن ينشئوا محطات تجارية في هذه المناطق و نتيجة لهذا ازدهرت الفنون في حضارات المنطقه مثل حضارة الدونج سون "500ق.م – 30م" في فيتنام فقد عرف شعب الدونج سون  بالمهارة في صب و تشكيل  البرونز و صناعة التماثيل و لعل التماثيل التي تعود إلى تلك الفترة أكبر دليل على ذلك و كذلك تمثال الحجر الرملي الذي يمثل  حيوان بأربعة أرجل و رأس طويل الذي وجد في منطقة دوك شوا في فيتنام و يعود تاريخه للألف الأولى قبل الميلاد يؤكد أن نحت الحجر الرملي كان معروفاً و متقدماً في تلك المنطقة .
 و وضعت مدارس النحت الآسيوية  قواعدها الأساسية مستمدة إياها من أربعة مدارس نحتية أرست قواعدها ثلاثة إمبراطوريات "الجوبتا – الشاولا – البالا - الآمارافاتي" أقدمها مدرسة الجوبتا التي بدأت مع بداية الإمبراطورية في القرن الرابع الميلادي و لم تنتهي بإنتهاءها في القرن السادس بل استمرت و تطورت أكثر لتضع الأسس التي قام عليها الفن الهندي الكلاسيكي وذلك لأن قواعدها احتوت على الكثير من القواعد و الاسس الرياضية و التقنية و أهم ما ميزها في النحت أنها نقلت التمثال من مرحلة التعبير عن الطبيعة في أجزائه إلى مرحلة تمثيل هذه الطبيعة فأصبح الجسد الإنساني المنحوت معبراً عن عظمة و قوة الطبيعة المتمثلة في الجسد الإنساني فقد استخدم نحات الجوبتا الجسد الإنساني للتعبير عن تحولات الطبيعة لفن ، فالتفنن في إظهار كل أشكال الظواهر الطبيعية  شكل في الجسد الانساني كان الهدف الاساسي في نحت الجوبتا .
والانسيابية الإيقاعية للجسد كانت تعبير عن تناغم الطبيعة فالأعين المرتخية في الوجه ذي الملامح الرقيقة الرهيفة دال على الإنسجام و التوحد الكوني و هما مشتقان من التناغم الزهري للوتس الرقبة مرتبطة بصدفة شيفا التي بدأت بصوتها الحياة و استدارة الأعضاء مستلهمة من استدارتها و التفافها حول بعضها فنحت الجوبتا كان صيغة أيقونية للتوافق بين التعبير الروحي الداخلي و الجسدي ليجمع بين العالمين السماوي و الأرضي على نفس المبادئ التي قامت عليها تمارين اليوجا و لهذا تميز نحت الجوبتا تقنياً بالاستدارة في الكتل و الرهافة و الرقة في التشكيل و الدقة الهندسية و مراعاة النسب الرياضية في الخطوط المحددة للشكل و التناغم الايقاعي كذلك باحترام طبيعة الخامة و طبيعة المكان الذي سيوضع فيه التمثال و الغرض من صنعه و كان أهم ما يميزه التحديد القوي لخط و شكل و تكوين الشخصية المراد تمثيلها و أيضاً لدرجة لون التمثال .
 أما امبراطورية الشاولا فعلى يدها تطورت تلك الفنون كافة تطوراً غير مسبوق خاصة في التقنيات النحتية سواء نحت البرونز أو الحجر الذي وصل لأوج تقدمه بفضل الرعاية و العناية التي أولاها حكم الشاولا لبناء المعابد و إقامة التماثيل و نشر ثقافتهم في أنحاء جنوب شرق آسيا .
كذلك مدرسة أخرى أثرت في النحت في الهند الصينية هي مدرسة البالا تلك الامبراطورية التي ازدهرت في منطقة البنغال في القرن الثامن و بلغت ذروة تطورها الأسلوبي في القرن الحادي عشر و عكس أسلوبها التعبير الصادق و الخالص  عن التجربة الدينية سواء هندوسية أو بوذية و منها استقت المدارس الآسيوية الإفراط في تزيين التماثيل بالحلي و الإكثار من الزخارف النباتية مع إضفاء بعض التعبير على الوجه خاصة  في التماثيل التي تمثل حالة التأمل و التمثيل اللحظي للحالة متمثلاً في التعبير الحركي القوي و حالة البهجة .
 أيضاً الآمارفاتي و هي سلالة ملكية ازدهرت في جنوب شرق الهند تميزت منحوتات الآمارفاتي بالحسية و الديناميكية و الدراماتيكية و التشكيلات ذات الانحناءات القوية و الخطوط التي توحي بالعمق.
 و انتقل أثر هذه المدارس مع تكوين أول مملكة هندوسية على طريق التجارة و هي مملكة الفونان التي امتد نفوذها من كمبوديا إلى بورما و ماليزيا في الفترة من القرن الثالث إلى السادس الميلادي و انشات بعد سلسلة من المصاهرات مع النبلاء المحليين و قد حرص منشئيها على ان توضع قواعد دولتهم الجديدة على نفس منهج و اسلوب امبراطورية الجوبتا المزدهرة في تلك الفترة و يتبدى ذلك في منحوتات "فنوم-دا" التي تعود للقرن السادس و السابع الميلادي مثل تمثال لاكشمي و تمثال فيشنو ( شكل – 4 ) (شكل-5) ، فقد عكست هذه التماثيل أسلوباً خاصاً في امتلاء الجسد و إن كانت قد حاكت الجوبتا في شكل الحواجب المقوسة و الشفاه المنتفخة و تركيبة الوجه كما واكب صعود الفونان صعود مماثل لمملكة "زينهلا" في جاوة التي تأثرت بأساليب النحت المتقدمة في عصر الجوبتا ايضاً  ، ثم انهارت الامبراطوريتان على يد أساطيل مملكة "شري فيجايا" القوية التي أسست في سومطرة مملكة بوذية من القرن السابع حتى القرن الثاني عشر الميلادي ، و قد ارتبطت هذه الامبراطورية ثقافياً بإمبراطورية " البالا"، و في عهد الشري فيجايا أرسلت بعثات ثقافية لدراسة الفنون في عاصمة امبراطورية الشاولا  و عادت حاملة معها أسلوب الشاولا البرونزي و الحجري المميز و لعل ذلك يتبدى واضحاً في تماثيل المعابد في وسط سومطرة كتمثال حارس المعبد دفارابالاDavarPala        و تمثال الملك آديتيا المحاربAdtya warman      ملك الأرض الذهبية  ، و تمثال براجنا باراميتا من شرق جاوة ، فجمعت منحوتات  الشري فيجايا جمعت ما بين الأسلوبين فيما يعرف بأسلوب السيلندرا Sailendra Art     و بدأ ظهوره في القرن التاسع الميلادي و يظهر هذا واضحاً في التمثال البرونزي لمايتريا وسط سومطرة و يظهر فيه بدايات الأسلوب الأسيوي الذي تميز بالرقة و دقة الملامح و النعومة والصفاء الروحي النقي جداً في الوجه و مازالت قواعد هذا الأسلوب الفني  و مميزة للنحت الهندوسي  و البوذي في جزيرتي جاوة و بالي الإندونيسيتين .
في نفس التوقيت تقريباً نشأت في  بورما مملكة دانت ببوذية الثريفادا و خضعت سياسياً للشري فيجايا و بالتالي للتأثير الثقافي و الفكري الهندي ككل ممالك المنطقة  و لكن النحت البورمي رغم احتفاظه بالأيقونية لكنه انتج تماثيلاً أكثر رهافة و عذوبة و ديناميكية من تماثيل البالا الجامدة و خصوصاً في الحدود الخارجية للتماثيل التي أصبحت أكثر ليونة و أناقة و تمثيلاً للطبيعة كذلك أصبح التزيين سواء في تماثيل الشري فيجايا أو البورمي أكثر نعومة أناقة و فخامة و تناغماً مع شكل التمثال  كما دخل على هذا أيضاً القليل م الأثر الصيني بحكم الموقع الجغرافي و كذلك الأثر القوي جداً للأسلوب الفني للشري فيجايا و تطورت هذه الأساليب مع اندماجها مع الأساليب المحلية بحلول القرن الثاني عشر الميلادي لتنتج أسلوباً نحتياً مميزاً مستوحى غالباً من بناء زهرة اللوتس فالتمثال مقدمة  جبهته دائماً عريضة و الذقن صغيرة إضافة إلى الحواجب المقوسة التي تميزت بها كل المنحوتات الآسيوية بابتسامة رقيقة خفيفة و الشفة العليا فقط هي التي تتميز بالغلظة و دائماً هناك عصابة حول الرأس و مبالغة في حجم الأيدي و الأقدام و العباءة تغطي الكتف الأيسر فقط ،أما إمبراطورية الشامبا في شمال فيتنام كانت هي الأطول عمراًبين إمبراطوريات المنطقة فقد بدأت نشأتها في نهاية القرن الأول الميلادي و استمرت أكثر من ثمانية قرون و استمرت مدارسها الفنية حية حتى الآن و تأثرت هذه المدارس في مراحلها بالتطورات و التغيرات التي طرأت على المدارس و الأساليب المختلفة سواء في منطقة الهند الصينية في الهند و حافظت كباقي المدارس النحتية على الشكل الأيقوني العام و ظلت ديانة الشامبا حتى القرنين التاسع و العاشر الميلادي هندوسية حتى بدأ عدد الذين يدينون بالمذهب البوذي المهايانا يزداد فدخلت الأيقونية البوذية على الشكل العام للتمثال الهندوسي و إن كان الأثر الهندوسي احتفظ بقوته على الفن و تميزت التماثيل التي كان أغلبها من القرميد و الحجر الرملي و القليل جداً منها برونزي بالمبالغة و الوجوه التي لا تبتسم أو تعكس ابتسامة خفيفة بشفاه و أنوف غليظة و هي في أغلبها تماثيل للالهين شيفا و بوذا و حراس القانون و القديس البوذي أفلوكاتسافارا و الإلهة الأنثى المفضلة في عموم المنطقة تارا و يوجد تمثال للإلهة الأنثى تارا يعرف بديفيDevi Goddess  بطول 129,3سم يعود تاريخه للقرن العاشر الميلادي و يسميه الغربيين فينوس الشرق يعكس كل ملامح نحت الشامبا و التأثير الهندي عليه و آخر للقديس افلوكاتسافارا من القرن العاشر يزن35كجم من أهم النماذج الممثلة لنحت شامبا .
و في الفترة نفسها أيضاً نشأت امبراطورية الخمير و التي تأسست في الجزء الجنوبي فيما يعرف الآن باسم فيتنام فقد أسسها نبلاء الزينهلا الذين أقاموا امبراطوريتهم لقرون قبلها في وسط جاوة و ذلك في بدايات القرن التاسع الميلادي و حملوا معهم للبر الرئيسي التقاليد الفنية و الثقافية التي أرسوها و طوروها في جاوة و أعادوا اعتناق الهندوسية و غزوا أجزاء من بورما و تايلاند و أقاموا علاقات مع الشامبا في شمالي فيتنام و هذا أتاح لهم اتصالاً ثقافياً هائلاً بكل المناطق التي أقاموا علاقات معها .
 و قد عكس نحت الخمير في بداياته التأثير الهندي الواضح و لكنه كان أقل دراماتيكية و تعقيداً كما انه تأثر بالممالك المجاورة فحمل نفس الرقة و العنايه بالتفاصيل مع ليونة الأعضاء و لكنه حافظ على المفهوم الهندي في احترام قواعد التشريح و قيمة الفخامة فلم يظهر ميلاً للتكوين الدائري و النباتي و البحث عن النعومة و الرهافة إلا بعد انتقال عاصمة الخمير إلى أنجكور في بداية القرن الثامن الميلادي فبدى تأثير الفن ذو الأصول الجاوية لأسلوب شامبا المجاورة و ظهرت الأجسام المستديرة و الدقيقة و الشفاه المميزة .
 و قد بلغ نحت الخمير أوج ازدهاره و تفرده و تألقه في مرحلة بناء معابد أنجكور و التي تعد أكبر مجمع ديني في العالم تم بناءه في الأصل لتمجيد الإله فيشنو رغم أن الخمير كانوا يقدسون الاله شيفا في الأساس و قد بني ليكون تجسيداً لمسكن الآلهه الهندوس في جبل "ميرو" وعند تحول الخمير إلى البوذية بني معبد بايون لتمجيد بوذا و تقديسة و عند عودة الخمير لاعتناق الهندوسية عادت تماثيل الآلهة الهندوس و التقاليد الهندوسية في النحت للظهور مرة أخرى ، كما طوروا و جودوا أساليب جديدة بلغت أوج ازدهارها في القرن العاشر و كانت أميل لتمثيل ما وراء الطبيعة من التوحد مع الطبيعة فظهرت تشكيلات لا علاقة لها بالفن الهندي مثل فيشنو و جارودا ممثلين بشخصين فوق بعضهما و الآلهة ذات الثمان وجوه فوق بعضها و على الجوانب و الأبراج الموجودة في معبد بايون على شكل رأس بوذا و جداريات الأسبارا أو الحوريات الحاميات من إناث الثعابين و تغير الشكل الأيقوني فأصبح أكثر ميلاً للتجسيد الجمالي للجسد الإنساني الطبيعي بطريقة مبتكرة لأن الخمير اعتنقوا مذهباً لم يكن موجوداً في الهند هو الديفا-راجا Deva-Raja  أي الملك الإله و الذي يعني ان الملك ينحدر من سلالة الآلهة لذلك فقد كان الهدف من هذه التماثيل هو تمجيد الأرستقراطيين الخمير و ليس مجرد العبادة أو التوحد مع الطبيعة فاحتوت تماثيل الاناث على اغراء حسي و مثلت تماثيل الرجال هيبة و عظمة و إفراط في التزيين و استعمال الحلي و الاهتمام بالمظهر الجمالي و ابراز المقاييس الجمالية المفضلة لتلك الفترة مثل الحواجب المقوسة الملتصقة و الجبهة الملساء و الأنف المتناسق المتناغم معهما تحته الشفاه الممتلئة و الذقن المزدوجة المقوسة و التي تتناسق مع الثديين المقوسين و تتناسب معهما كذلك تظهر نفس الأقواس المتناسبة حسابياً في الوسط و استدارة الكعبين و الردفين لكن على ذلك احتفظ النحت الأنجكوري بسمات هندية مثل نعومة التكوين و التشكيل الأمامي و ملامح الوجه الدالة على صفاء الروح .
و قد بلغ اتساع المد الهندي ثقافياً مداه ليصل إلى تايلاند فظهر الأثر الهندي في النحت مع بداية القرن الأول قبل الميلاد عندما أسس الامبراطور أشوكا أول مستعمرة بوذية و توالت موجات الهجرات و بلغ التأثر أوجه في القرن التاسع عصر دافارافاتي  و النحت التايلاندي نحت ديني بكل المقاييس و لذلك يطلق عليه النحت البوذي و هو مازال مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالحياة الاجتماعية و من أهم العناصر الثقافية و للمدارس الهندية نصيب الأسد في تقاليد ما يعرف بالنحت البوذي السيامي "الاسم القديم لتايلاند" فهذا الأسلوب اعتمد في أساسه على الطرق و القواعد الكلاسيكية التي أسسها الجوبتا و الآمارافاتي و أيضاً تقاليد الشاولا في الجنوب و البالا في البنغال و إن كان أيضاً مؤسسي مدرسة الدافارافاتي اعتمدوا على بعض الأسس و التكوينات التي احتوت عليها المنحوتات البدائية الشعبية و لكن يبقى الأثر الأقوى هندياً مباشراً من الجوبتا و البالا و غير مباشر مستقى من منحوتات "شري فيجايا" المجاورة و تلاه تأثير غير مباشر أيضاً مستمد من تقاليد الخمير النحتية و يتميز النحت التايلاندي بالحفاظ على النسب التشريحية و بالتكوين القوي و المحكم مع الحفاظ على النعومة و تدعيمها باستعمال الباتينا الملونة و الشكل المكعب للرأس مع التأكيد على تربيعة الوجه و قوة ملامحه و دقتها مع أنف مستقيم و شفاه رفيعه افقيه مع الأنف و أذني بوذا المميزتين الطويلتين نتيجة للبس الأقراط الثقيلة عندما كان أميراً و يظل القاسم المشترك في النحت البوذي السيامي مع بقية النحت في المنطقة هو ملامح الوجه التي تسعى لإظهار الصفاء و النقاء و انسجام الروح من الداخل مع الجسد مع ما يحيطهما من ظواهر طبيعية و الحفاظ على الأيقونية في الشكل و حركات الأيدي و الأقدام و طرق الوقوف و الجلوس و لعل أهم ما ميز المدرسة التايلاندية و كل مدارس النحت الأسيوي بلا استثناء أنها برغم تعرضها لموجات متتابعة من التأثير الهندي  تميزها بقدرتها على تعديل و تطوير التأثير و إعادة إنتاجه و قدرتها على الاستفادة من التطوير  الذي أجراه الفنانين في المناطق المجاورة و إعادة تطويره و تطويعه هو أيضاً لخلق شكل مميز لمنحوتاتها ،و على ذلك تبقى  المعالجات المفاهيمية و الأسلوبية الهندية للعمل النحتي هي حجر الأساس الذي قامت عليه كل مدارس النحت في جنوب شرق آسيا. .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق