الأربعاء، 3 يونيو 2015

إكسبو ميلانو 2015 ... فنون وثقافات العالم - مقال شذى يحي مجله الهلال يونيو2015



تستضيف مدينة ميلانو الإيطالية في الفترة من 1مايو إلى 30أكتوبر2015 الدورة الجديدة من الحدث الأهم في دنيا المعارض الدولية وهو المعرض العالمي الذي يقام مرة كل خمسة أعوام وذلك بمشاركة أكثر من مئة وستين دولة وتحمل هذه الدورة شعار "إطعام العالم – طاقة للحياة" في محاولة من العارضين والمنظمين لإلقاء الضوء على حلول تسعى لإطعام 870مليون إنسان يعانون من امراض الجوع وإيجاد حلول أيضاً لمشكلة  2.8مليون إنسان يموتون من امراض البدانة سنوياً هي مشكلات لخصها رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو ريزي في قوله "هناك مليار إنسان في العالم يعانون من الجوع في مقابل مليار آخرين يعانون من التخمة ولابد من إيجاد نوع من التوازن بين هاتين الحالتين" ، وصرح البابا فرانسيس بابا الفاتيكان أيضاً بأنه " لابد من مد جسور التفاهم بين الشعوب لإيجاد نوع من التكافؤ والإكتفاء بين البشر" فهدف هذا المعرض الساسي هو احتضان التكنولوجيا والاختراعات والافكار الحديثة وكذلك الثقافات  والتقاليد والإبداعات المتنوعة لمد جسر للتواصل  يسمح بإيجاد حلول لمشكلتي الغذاء والطاقة وتعد هذه هي المرة الثانية التي تنظم فيها مدينة ميلانو هذا المعرض وهي  الأولى منذ مئة عام حيث سبق لها تنظيمه في العام 1906م ، وقد مر هذا المعرض العريق الذي أقيمت دورته الأولى في لندن في العام 1851م تحت اسم المعرض العظيم لصناعات كل الأمم بثلاثة مراحل رئيسية في تاريخه تغيرت فيها أهدافه وفقاً للظروف العالمية ، المرحلة الأولى كانت مرحلة التصنيع مواكبة للثورة الصناعية في الفترة من 1851م وحتى 1938م، والمرحلة الثانية مرحلة التعريف الثقافي والتبادل المعرفي 1939م وحتى 1987م، والثالثة مرحلة التأكيد على هوية الشعوب والأمم في إطار العالم الواحد واستمرت م1987م وحتى الدورة الحالية التي ركزت على ان التنوع الثقافي والعرقي لا يعوق محاولات خلق مستقبل افضل للبشرية وأن احترام قيم التنوع والاختلاف لا يقف حائلاً أمام سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء وحل مشكلات مثل الجوع والرعاية الصحية واللاجئين ، ولمصر تاريخ طويل مع المعرض الدولي بدأ في باريس في العام 1867م حيث كان لمصر جناح ضخم على مساحة ستة آلاف متر مربع  صممه  ديرفيه وشميتز واحتوى على مجسم لقصر ضم سلاملك لاستقبال الضيوف ومقر إقامة للخديوي إسماعيل الذي حضر المعرض ومجسم لوكالة تجارية ضم نماذج من الحرف و المصنوعات ومظاهر الحياة المختلفة في القاهرة بالإضافة لأشكال من الفنون والراقصات ومجسمات نحتية من الطين ومجسمات لمقامات المشايخ وقصر ضم مجسم كامل لخريطة مصر وأعمال الإنشاءات كاملة التي كانت تجري في مشروع قناة السويس ومعبد فرعوني عبارة عن مجسم لمعبد فيلة ضم متحفاً للآثار المعارة من متحف بولاق وآخر للتاريخ الطبيعي ، هذا الجناح كان من القوة والعظمة لدرجة ان الصحف الفرنسية في تلك الفترة وصفته بأنه الأكثر بنائية وإكتمالاً وتعبيراً عن فكرة المعرض الدولي ووصف أيضاً بأنه انجاز عبقري مذهل ورائع أعاد للأذهان مدى عظمة مصر وثراءها في الوقت الحاضر كما وصف تشارلز إدموند مؤرخ الحدث المعبد الفرعوني والطريق المحفوف بتماثيل أبو الهول المؤدي إليه "بأنه أعاد إلى الحياة أقدم اشكال الحضارة البشرية بفنها وعمارتها وديانتها كأن ابطال التاريخ القديم يمشون أمام الزوار".
 ثم توالت مشاركات مصر ونجاحاتها أيضاً في المعرض ففي فيينا 1873م شاركت بمجسم لجامع وضريح السلطان قايتباي وضم المجسم في داخله كل الصناعات والفنون التي وجدت في مصر في تلك الفترة ، وفي العام 1878م في باريس شاركت مصر بمجسم كامل لمعبد أبيدوس الذي كان قد اكتشف حديثاً ووضع به  أيضاً أصحاب الصناعات والعارضين وكان ميرييت بك مكتشف المعبد هو قوميسير المعرض ، وفي باريس1989م عادت مصر بمجسم كامل لشوارع وحواري القاهرة القديمة صممه مهندس فرنسي وبناه الحرفيين والفنانين المصريين وأذهلت مشربياته و إضاءتها الداخلية الزوار الفرنسيين والأجانب وضم الكثير من الفنون والصناعات ووسائل الترفيه ووصف بأنه كان الجناح الكثر تشويقاً وإمتاعاً في المعرض .
أما في شيكاغو 1893م فقد شاركت مصر بجناح أذهل الأمريكان وصنع بالكامل في مصر وتم شحنه للولايات المتحدة الأمريكية واحتوى على مسرح ومجسم لشوارع القاهرة ومجسم لمعبد آمون واستخدمت الأضواء الكهربية في إضاءة أعمدة المعبد الزجاجية وكان هذا اختراعاً حديثاً في تلك الفترة وتم نقل أكثر من مئتي راقص وراقصة وحمير وجمال أعادت تمثيل خروج المحمل للحج وصناع سجاد وفنانين حتى سمي الجناح بالقاهرة المصغرة ونال أكبر عدد من الزيارات ، ثم كان معرض العام 1900م في باريس وشهد المرة الأولى التي لا تمثل فيها مصر كدولة مستقلة بل كمستعمرة بريطانية وهو ما جعل المساحة المتاحة لها تصغر والإمكانات تقل ومع ذلك فقد بنت مصر المعبد والسوق والمسرح إضافة إلى مجسماً كاملاً لخان الخليلي في ثلاثة أماكن مختلفة وليس في جناح واحد ، وقد عادت مصر لتمثل كدولة مستقلة في العام 1937م بعد عام واحد من توقيع معاهدة 1936م حيث شهد هذا المعرض تغيراً جذرياً حيث أسند تصميم وتنظيم المعرض للفنان التشكيلي المصري نحميا سعد ومعه كل من الفنانين محمد ناجي ومحمد لبيب ومارجو فيون وقد جاء الجناح المصري رائعاً مذهلاً ومشرفاً ورغم قوة العارضين ووجود أسماء في العرض مثل بيكاسو ودوفي وسبيرز إلا أن العرض حاز على إقبال جماهيري قوي واحترام الزوار والعارضين ،كما عرضت مارجريت نخلة لوحات فنية في معرض فنون أقيم على هامش الحدث الرسمي ومصاحباً له  .
هذه لمحة من تاريخ مصر مع المعرض الدولي نعود بعدها لإكسبو2015م الذي شهد تمثيلاً مصرياً ضعيفاً ومخيباً للآمال لا يليق بعراقة مصر واسمها فالمعرض الذي شهد تمثيلاً قوياً واجنحة ضخمة معبرة عن ثقافات وفنون وتواريخ دول مثل الكويت ودولة الإمارات العربية شهد مشروعاً مصرياً ضئيلاً تحت عنوان إيزيس بذرة الخصوبة حكاية لا تنتهي عبارة عن جدارية تفتقر لأدنى أسس العمل الفني تصلح في أفضل الأحوال لحائط في مقهى شعبي متواضع وشاشتين إحداهما تفاعلية يرى فيها الزائر نفسه يرتدي ثياباً فرعونية والأخرى تعرض فيديو فقير المستوى للمعالم السياحية والآثار وزراعة القمح كل ذلك موضوع على خلفية زرقاء ،يصاحبه بازار لعرض التحف والسلع المقلدة إلى جانب بعض انواع الأطعمة الشعبية التي قام على تقديمها أحد المطاعم المصرية "بمدينة نصر" التي تقدم الطعام الإيطالي وهو مانشر على الصفحات الرسمية للحدث على شبكة المعلومات أيضاً؟؟؟!!! ووضعت شعارات المطعم على الجناح وعلى المطبوعات والملصقات الإعلانية الخاصة به وكذا على ملابس العاملين مع اسم مصروأجهزة لوحية اجنبية الصنع بسماعة عليها تطبيق تفاعلي لشخوص فرعونية كرتونية !! هذا هو تمثيل مصر في معرض لتكنولوجيا وثقافة الغذاء والإنسان ،هذا كل ما مثل حضارة السبعة آلاف عام في المعرض الدولي إكسبو ميلانو 2015 على المستوى الرسمي ،أما الثقافة والفن المصريين فتمثيلهما الوحيد جاء عن طريق دعوتين شخصيتين للفنانين جمال مليكة وسماء يحي وجهتهما منظمة "فن بلا حدود" وهي أحد الشركاء الرسميين لمنظمو الإكسبو Expo منذ عام 2001م للمشاركة في معرضها الرسمي في الفترة من ( 19أبريل وحتى 28يونيو2015 ) المقام ضمن فاعليات الإكسبو وموله الإتحاد الأوروبي والذي حمل عنوان "الفن غذاء الروح" وعرض فيه مئة وعشرين فنان ونحات وشاعر في عرض يهدف إلى جمع هؤلاء الفنانين من كافة أنحاء العالم لتوفير مساحة من المعرفة الجمالية والمقارنة بين الثقافات والتقاليد والإبداعات والمواهب من خلال هذا الخليط من أشكال التعبير عن الأرواح البشرية السامية وذلك لإعطاء قيمة مضافة لحدث يهدف إلى مد الجسور بين الأمم وتحطيم الفوارق ولهذا نظمت المؤسسة أيضاً زيارات للمعرض وأنشطة وفاعليات آدائية للجمهور العادي ولطلبةالمدارس والجامعات أيضاً ، كما شارك الفنان مليكة في عرضين أداءيين خلال المؤتمر الصحفي الذي أقيم لإعلان العد التنازلي والاحتفالية الرسمية لافتتاح فاعليات الإكسبو2015 رسم فيهما لوحتين لأبوالهول أمام الجمهور وحاز استحساناً وإعجاباً كبيراً من جمهور المشاهدين ، أما عن أعمال جمال مليكة وسماء يحي المشاركين في المعرض الرسميي فقد وفق الفنانين في التعبير عن تيمة العرض بهوية وطنية خالصة فعرضت سماء يحي لوحتين الأولى لامرأة جالسة تبدو بعينيها المغمضتين كانها تحلم امرأة خصبة تعكس خصوبة الأرض وازدهار النباتات وحالة النماء الكوني والإنساني على خلفية بألوان مشرقة وزهور تأمل في مستقبل أفضل حالة من الصفاء الكوني أظهرتها ليونة الخطوط ونعومتها في مشهد تحتفل فيه بالأمل والصفاء والسلام، ولوحة أخرى لمراكب الصيد تلك المراكب التي دائماً ما حملت ومازالت تحمل المؤن والخير والرزق في الموروث الشعبي المصري وهب من حملت الإنسان عبر البحار ليبني الحضارة ويمد الجسور ويعمر الأرض ،بينما عرض مليكة لوحة لأبوالهول بألوان السماء شامخاً قوياً ليذكر المشاهدين بأننا المصريين أول من زرع وصنع وبنى حضارة إنسانية منذ فجر التاريخ ،ولوحة أخرى تمثل مجموعة من البشر في حالة من النقاش وسط جلبة من الخطوط والألوان يبدو للرائي وكأنهم يتصارعون أو ربما يتحاورون في صخب كبير وكأنه يعبر عن الحالة في مصر بل الحالة في العالم الآن بهذه الجلبة هي صرخة لكي نهدأ ونعرف أننا جميعاً معاً معلقين بمصير واحد،هذه اللوحات الأربعة كانت بمثابة فخر بالماضي وتصوير للحاضر وأمل في المستقبل بروح مصر الجميلة مازالت تلفت الأنظار وتحوز على إعجاب زوار المعرض .
هذه هي أهمية الأكسبو أو المعرض الدولي كحدث وهذا هو ما حصل فيه هذه الدورة ميلانو2015م فهل يا ترى ستستيقظ الدولة المصرية في إكسبو دبي2020م وتقدم عرض يليق بمصر وتاريخها ؟؟!!