السبت، 19 نوفمبر 2016

حامد عبد الله ... رسام الكلمة الخلاقة - دراسة شذى يحيى في جريدة الفنون الكويتية عدد نوفمبر 2016



"عندما يتحقق مستوى من التقدم التكنولوجي أعلى إلى حد كبير من المستوى  البدائي تنتاب الإنسان مخاوف وعذابات لا يسببها عجزه أمام الطبيعة التي استطاع أن يروضها إلى حد كبير بل تنتج عن مواجهته للقوى الإجتماعية  التي خلقها  بنفسه ثم استقلت بنفسها لتتصدى له كما لو مانت غريبة عليه تهدد بطحنه فالفقر والأزمات وأجهزة القمع والحروب تشكل جميعاً قوى إنسانية إنفلت عقالها"
هذه الفقرة من كتاب روجيه جارودي "واقعية بلا ضفاف" تلخص ما شعر به البشر بعد الكارثة التي حلت بهم في الحرب العالمية الثانية شعور بأنه ينبغي أن نظهر حجم الكارثة التي حلت بالبشرية بل ونوجد حلولاً جذرية لمنع تكرارها من خلال توعية وتثقيف من صنعوها من خلال تغيير الإنسان بالثقافة وهو ما أطلق عليه جارودي "مبادرة إنسانية صميمة تعبر عن نفسها بالخلق الفني من خلال إدراك الإتجاهات الدفينة لمراحل الخلق في الماضي ... والمواصلة الأصيلة للهدف الأساس الممتد عبر آلاف السنين في كل العهود وكل الحضارات وهذا الهدف هو تجاوز اللوحة الزخرفية أو الوصفية لخلق عالم مختلف عن عالم الطبيعة ... ولا بد أن ينشئ هذا الخلق الملحمي الغنائي ،لغة غير اللغة الطبيعية المصاغة في قالب الإمكانيات العلمية والتكنيكية"، هذا هو ما ميز الخلق الفني لفناني ما بعد الحرب الثانية هذه الحالة من محاولة خلق عالم مستمد من جذور حضارتهم ومشاربهم ولكنه في نفس الوقت يصور الواقع كما يروه دون محاكاة عالم مختلف عن عالم الطبيعة لكنه يمثل رؤيتهم لها وبحثهم عما يجعل الطبيعة أفضل ،في هذا الإطار يحتفي متحف تيت بلندن Tate Art Gallery بمحاولات هؤلاء الفنانين ومنجزاتهم في معرضه الذي افتتح في 23مايو2016م بعنوان "الجسد الخفي – فن ما بعد الكارثة" ويعرض فيه أعمال فنانين من كافة أنحاء المعمورة أنتجوا أعمالاً منذ منتصف الخمسينيات يعبرون فيها عن موقفهم من الحروب والأزمات التي مرت على بلادهم ويحتوي المعرض على أعمال لفنانين مثل بيكاسو وماتيس ودالي و دوبوفيه بالإضافة إلى فنانين آخرين ابتعدوا عن المدارس الغربية في التشكيل وابتكروا أساليبهم الخاصة المستمدة من تراثهم وثقافتهم مجموعة من هذه الأعمال ثلاثة بالتحديد تحتل مكاناً بارزاً على جدران الغرفة السادسة من الطابق الثاني للمتحف وتخص واحد من أهم فناني الجيل الثاني من الرواد في مصر إنه الفنان حامد عبد الله (1917- 1985م) الأعمال الثلاثة هي مهزوم والشريدة وتأمل جميعها تم ‘نتاجها في الفترة من1956م ل 1969م وهي الفترة الأهم في مرحل الإنتاج لدى الفنان ليس بسبب أنه نال حظوة عالمية كبيرة فيها ولا لإنخراطه في أنشطة جماعة كوبرا الفنية ولكن لأنها شهدت التطور المذهل في مرحلته الخطية المرحلة التي تمكن فيها من أدواته وتقنياته وأفكاره بحيث أنه وصل إلى ذروة المهارة في تنظيم عناصر الوسيط المادي وحقق أعلى تنظيم للدلالة التعبيرية واللوحات الثلاث تمثل المحاور الثلاثة التي عمل عليها عبد الله في خطياته "المواقف السياسية مثل لوحة مهزوم – استسلام – انبطاح ....إلخ ، المواقف الإجتماعية مثل شريدة – رجل وامرأة ..... ، حالة كونية تأمل آيات من الكتاب المقدس –الله أكبر..." هذا الخلق الفني هو مبادرة حامد عبد الله التي تواصل فيها مع جذوره الممتدة عبر آلاف السنين لصناعة عالمه الملحمي ، لكن من هو عبد الله وما هو عالمه ؟
"إن مبدئي كفنان شرقي هو أن أرسم الطبيعة كما أراها بفكري لا كما أراها بعيني" جملة بسيطة قالها حامد عبد الله يوماً ولخص بها منجز حياته التي كرسها منذ بداياته الأولى لصياغة أسلوب مصري شرقي مجدد في التصوير ممهور بإمضائه ليغزو به العالم ويترك أثره وبصمته على تاريخ الفن التشكيلي في ملحمة خاض خلالها رحلة من البحث والجد والمثابرة والتجارب والدرس والتحصيل والتحليل للمدارس الغربية ولبتراث والفلسفة والفكر والتفاعل مع التراب والبشر والزرع والكون والصراع والدمار والحرب والإنتصار والفقر والحب والبقاء والفناء والإيمان ليكون صوتاً  لأهله وناسه وكتاباً لحكاياتهم ليس على سطح اللوحة فقط بل على جدار الزمان أيضاً ليحكي حكاياتهم للأزمنة القادمة ويخلدها كما خلدها أجداده من قبله ، ولهذا الهدف سعى دوماً إلى أن طريق حياته يجب ان بتقاطع مع طريق هؤلاء الناس آمن بهذا وجعله أسلوب وفلسفة حتى أنه كتب يوماً وهو بعيد عن ناسه هؤلاء في باريس عاصمة النور عام1951م عن هذا الطريق النص الآتي "الطريق الذي أعنيه ليس الطريق الذي يسلكه الفرد ذهاباً وجيئة ... بل طريق الحياة .. الطريق الذي أعنيه هو طريق الناس .. طريق من أذاقهم أعداء الحياة مرارة الشقاء .. بل شقاء الجبابرة الذين تلقوا ضربات القرون في احتمال بطولي من لا يملكون شيئاً غير النفوس الكبيرة .. المفعمة بالأمل"، هؤلاء هم أبطال أعمال حامد عبد الله والذين سعى طوال مسيرته الفنية إلى ان يصورهم ويصور لهم ، أن يصور الشعب للشعب وأقصى أمنياته أن يتمكن من خلال فنه من التعبير عن آمال هذا الشعب في الحياة .
وككل الواقعيين آمن أن الفنان غير قادر على الإستفاد من رسوم القرون الماضية ولا إستشراف رسوم القرون القادمة إلا بطريقة واحدة وهي الوسيلة الوحيدة التي تبقي الفن على قيد الحياة ألا وهي الخبرة المعاشة فالفن في أساسه هو خبرة الفنان وتفاعله مع ما حوله على طريق الحياة والناس وليس بمعزل عنهم لينتج عالمه الفني الخاص الذي قام على ركيزتي الإنسان والأرض والحرف الذي يعبر عنهما وعن علاقاتيهما بباقي عناصر الوجود مستمداً من معارف وخبرات هؤلاء الناس وحياتهم ومعتقداتهم ومن خلالها أوجد عبد الله طرقاً مبتكرة للإستفادة من التراث والحداثة والتقنية ، فعالم حامد عبد الله الفريد كان مركزه في القاهرة التي ولد فيها في حي المنيل 13أغسطس 1917م أي بعد إنتهاء الحرب العالمية الولى مباشرة ومن رحم ثورة 1919م وهي مرحلة ذهبية في تاريخ مصر حفلت بالعديد من المتغيرات الإجتماعية والسياسية والثقافية والكفاح ضد الإستعمار البريطاني وعودة مئات الألوف من العمال المصريين من الحرب وأهوالها وصدماتها وانعكس هذا الحراك على حياة المصريين الذين أصبح لديهم تطلعات أخرى كما كانت هذه الفترة مهداً لدعوة نشأة إقتصاد مصري وثقافة مصرية في مواجهة التغريب وهيمنة الثقافة والإقتصاد الأجنبي على مفاصل الحياة في مصر ، كذلك عبد الله حمد الفلاح البسيط والد حامد كان يتطلع  أيضاً لحياة أفضل ولهذا وككثير من الفلاحين غادر قريته العوامية سوهاج سيراً على الأقدام وصولاً إلى المنيل وعمل في الزراعةمهنة آبائه وأجداده واستعان بأبنائه التسعة ومنهم حامد في الفلاحة ولكنه كان حريصاً على إدخالهم الكتاتيب أملاً في المستقبل الأفضل وفي الكتاب لفتت براعة حامد في كتابة الخط وتزيينه الأنظار للفتى بالإضافة لولعه بالرسم الذي نما من خلال تحديقه لملامح أقربائه وأصبح يرسم في كل مكان على الحوائط والموائد وأرصفة الشوارع فكان جل طموح اباه أن يصبح حرفياً ماهراً وهذه كانت سوف تصبح نقلة إجتماعية وإقتصادية مهمة في حياة العائلة من وجهة نظره فأدخله معهد الفنون التطبيقية المجاني في الجيزة قسم الحديد المشغول ولأن مخيلته الإبداعية والفنية كانت تتفوق على أساتذته كان محل سخرية دائمة وإتهام بالفشل وعدم فهم ممن حوله مما أثار غضب والده عليه وقطع العلاقة بينهما فعمل ابن الخامسة عشر عاملاً يدوياً ليوفر لنفسه أدوات الرسم ولم يفت في عضده رفض لجنة مدرسة  الفنون الجميلة له لأنه لم يحصل على شهادة الثانوية العامة بل زاده قوة وإصراراً وأيضاً إلتصاقاً بالناس فحفلت لوحاته في تلك الفترة بمشاهد من حي الموسكي ورواد المقاهي وسكان الحارات مقهى النيل كان مقره ووجوه رواده كانت مواضيع لوحاته الأولى وهناك قابل تاجر إسفنج يوناني يدعى ياناكاكيس إنبهر به وعرفه على عوالم ألجريكو وفناني أوروبا ،كان حامد يقرأ بغزارة ويوفر من نقود عمله البسيط لشراء كميات هائلة من الكتب في شتى المجالات يعكف على قراءتها بنهم ركز في كتب التراث والفلسفة لوحاته في الفترة من 1937م إلى 1939م تؤكد على قدرة وتفوق مذهل خاصة فيما يتعلق بليونة الخط وقوة التكوين رغم أنه لم يكن قد بلغ العشرين قرر في العام1938م أن يعرض أعماله على لجنة تحكيم صالون القاهرة فقبل وعرضت أعماله التي كتب عنها الناقد غابرييل بكتور "رأينا لأول مرة في صالون القاهرة حضور وفد من سكان حي المنيل بجلاليبهم الجديدة التي تتناسب وجلالة الحدث جاءوا ليشاهدوا صورهم معلقة ومعروضة أمام حشد كبير من الزوار" ،المرة الأولى وربما تكون الأخيرة التي حضر فيها الفلاحين بجلاليبهم معرض فني فكان ذلك النجاح الأول لحلمه الذي عبر عنه بخطه ولونه يقول غابرييل بكتور "لابد وأن حامد عبد الله يذكر بما قاله ألفونس دودي بأن الحياة تختصر إلى توليف خطوط وأشكال وألوان" ،رسم عبد الله وجوه الناس وأجسادهم بخطوط تشي بسخريتهم من الألم والوجع والفقر وبتهكمهم على من أذلوهم وجعلوهم يعانون رسم حكمة الفلاح المصري عبر القرون وبخطوطه اختزل فلسفة حياة اهله في الخطوط والأشكال والألوان وبدأ في تحقيق هدفه وليستكمل هذا الطريق كان لابد من أن يعود إلى منبع تراثه إلى الصعيد ،يقول حامد عبد الله عن هذه الرحلة "ياللإنبهار !ستة أشهر من النور ،ستة أشهر من التواصل مع أعظم سادة العالم الفراعنة" ،في عام1941م شجعه موريك برين لإقامة معرض واقتنت وزارة المعارف بعض أعماله بل ودعاه طه حسين للتدريس في المرسة التي رفضت أن تقبله طالباً ورفض لأنه لم يكن لديه ميل للتدريس وإن كان قد بدأ في إعطاء دروس خاصه لبنات الطبقة الراقية واستكمل دراساته للفن العالمي كما أقام العديد من المعارض وبدأ في تطوير خطه ونوره خط قوي أسود تحيطه هالات من نور أبيض ناصع يتناسب وطبيعته كمصري لأن الضوء المبهر يخفف حدة اللون ليتخذ أسلوبه طابع نحتي بعيد كل البعد عن التكعيبيين الغربيين ومرتبط كل الإرتباط بجذوره وواقعه ظهر ما يريد أن يظهره ويثبته أن ابن الفلاح المصري الفقير يستطيع أن يقف على قدم المساواة بل أن يتفوق على الأوروبيين وأن يصبح معلماً ورائداً لأسلوب واتجاه جديد، يقول عنه إيميه عازار "تمكن عبد الله من الوصول إلى القوة في تعبيره بريشته ،فالرسم حاد وقاس والأجواء تحدها خطوط كبيرة توحي بالأعماق ،من خلال ملكته للخط ،يريد عبد الله الوصول إلى ملكة اللون ،محافظاً في الوقت ذاته على خط الإهتمام الأساس"، وفي بداية الخمسينيات كان تقديمه الأول للعالم في باريس في معرض أبهر النقاد كتب عنه فالدمار جورج الرجل الذي قدمه لباريس "هل بالإمكان إعتبار حامد عبد الله نقطة إنطلاق لمدرة مصرية تنهل من ينابيع الغرب اللاتيني ولكنه تحافظ على خواص هويتها المحلية لتنجز بذلك مهمة أصيلة! كل شيء يشير إلى ذلك وكل شيء يدعو إلى الإعتقاد بذلك".
بعد عودته من باريس إستمرعبد الله في مناوشاته بالخط ذلك الخط القوي الصرحي الحاد المتمرد الذي يحيط بمساحات لون قليلة ولكنها مبهرة الغرض الأساس منها الحفاظ على الأبعاد والأحجام في تعبير شامل عما أسماه إيمي عازار "طبقة سكرى ببؤسها ولكن كم هي مستيقظة" ،ويبدو هذا واضحاً في لوحات كلوحة زلطة 1951م وامومة التي  رسمها في العام 1953م بعد عام واحد من ثورة يوليو التي إستبشر بها وسعى في ركابها ثم تخاصم معها بعد حادثة كفر الدوار وإعدام خميس والبقري وإن كان ظل وفياً لمشروعها القومي حتى اليوم الأخير من حياته اختلف مع يوليو ككل الحالمين بعالم مثالي خال من حسابات السلطة والساعين إلى فردوس الإنسان على الأرض لكنه بقي مؤمناً بالمشروع القومي وكرجل صعيدي شهم لم يعارض الحاكم أو الكبير في المحافل الأجنية بل ساند النظام المصري في حرب 1956م وجاب العالم في معارض دفاعاً عن حق مصر وترك فرنسا غاضباً غلى الدنمارك بسبب تشبيههم لعبد الناصر بهتلر ورسم أحد أشهر أعماله أمهات الشهداء كما غستغل الإحتفاء الكبير به في الدنمارك للتعبير عن آرائه السياسية وفي نفس الوقت أكمل دراساته وقراءاته وسعى لتطوير أدواتهأكثر وصقل مهاراته واهتم بشكل خاص بالفخاريات وكتب الفن الإسلامي في تلك الفترة كما عكف على البحث في التأثير المتبادل بين الشرق والغرب وكذلك محاولة الكشف عن المعالجات الغربية لما تأثر به من فنون وتحليل الحلول التي توصل إليها الفنان الغربي لأنه رأى أن إطلاع الغربيين على الكتابات الشرقية خاصة الهيروغليفية والخط الصيني والعربي الإسلامي كانت حجر الأساس في بناء الفن التجريدي فند أن عبد كتب في أحد ملاحظاته عن هذا التأثير "الفنان المسلم الذي منع عنه الدين الإسلامي رسم الأشخاص أغنى فضاء العمل الفني بوحدات هندسية تجريدية ليرسم بطريقة مباشرة أشكالاً تشخيصية تتكون من الفراغ الذي ترك أبيض" ،ومن إرهاصات هذه الدراسات بدأت "إرتجالاته الخطية" وهو افسم الذي أطلقه على أعماله الحروفية وهذا الإسم هو الوقع لوصف أعماله لأن عالم الحرف عند حامد عبد الله يختلف تماماً عن العالم المتعارف علبه للحروفية وكان ذلك الوجه الذي رسمه إستيحاءاً من فسيفساء كنيسة البلاتين مستخدماص التكوين البنائي لكلمة شكل هي المحاولة الناضجة الأولى لهذه الإرتجالات وإن لم تكن هي المرة الأولى لبناء الشكل على الحرف بل إن أول إنتاج لعبد الله في هذا الإتجاه كان في العام 1946م عندما شكل كلمة المل على هيئة فلاح ذو جلباب أبيض يرفع يده بعنفوان للسماء وهو ما أعاد إنتاجه بشكل أكثر تجريداً ومهارة في العام 1957م بعدها خط أمومه أيضاً في العام 1958م وهذه كانت بداية الإرتجالات الخطية ،ما سعى إليه عبد الله في خطياته هو إنتاج الكلمة "اللوجوس" فالرجل الذي كان مولعاً بكلمات القديس يوحنا رأى ان الكلمة المجسدة هي التي تكشف حقيقة النجاة والخلاص ومصدر الحياة الخالدة ولكي تعبر كلمته عن هذا المغنى عكف عبد الله على دراسة معالجة الفنان المصري القديم للجسد ليصبح كلمة وكذلك على معالجات الفن القبطي لتحوير الحروف والمعالجات المجردة للفن الإسلامي للكلمة تلك التي طوع فيها الفنان الحرف لتصميم على أشكال طيور ونباتات وحيوانات والتي كان يراها الأكثر إكتمالاً وتجريداً ولكنه إختار الخط الشعبي وأوجد حلاً لمعضلة الفنان الشعبي الذي كان يرسم أشكال القديسيين والأنبياء والأبطال ثم يضفي عليها قداستها بكتابة أسماءها فوقها بأن جسدن الحرف العربي المصري الشعبي وأعطاه بعداً إنسانياً شكلانياً لأنه رآه الأكثر حرية وقدرة على التطويع والتعبير من حيث الشكل المعبر الForm وهو ما أعطى الكلمة القدرة على التعبير عن أكثر من وظيفة ويجعل منها مصدر لقيم متباينة تضفي بعداً أكثر ثراء على التجربة الجمالية وإستعان عبد الله بالمنظور الدائري الذي طوره من خلال دراساته للمنمنمة الإسلامية خاصمة منمنمات الواسطي ومركزه المنتصف لإعطاء البعد الكوني للأعمال ،ما اراده عبد الله هو إيجاد علاقة في كلماته بين المتعين المحسوس والملموس واللامتعين علاقة تمكننا من تحديد هذا اللامتعين بشكل ما من خلال الجدلية الديالكتيكية بينه وبين المتعين في محاولة منه لإثبات الوجود العيني المطلق والواحد هذا الجدل بشكل ما يعكس معنى للقدسية بأصالتها ويعكس إندماجاً لعنصرين ويشكل معنى للقدسية معنى للحب الصوفي المؤمن بوحدة الوجود ولهذا لجأ عبد الله إلى إظهار وتأكيد الحالة الإستاتيكية للأرضية المتشققة الساكنة في لوحاته وجدليتها مع الكلمات والحروف التي رسمها في حالة حركة ديناميكية قوية تعكس موسيقى نغمية عالية وأكد على الحالة الصرحية للحرف بإستعمال وسائط جعلته بارزاً وخشناً وأقرب إلى النحت ويعضد الملمس والكتلة باللون لتزيد الطاقة اللونية من حالة الحركة والبروز في اللوحة ذلك لأنه أراد لهذه الكلمة أن تدخل حالة جدلية ديالكتيكية مع الكون المحيط بها بكل عناصره حالة هي الأقرب إلى جريان الماء التحرك بكل زخمه فوق الأرض الساكنة المتشققة وما يترتب عليها من ري ونمو وإحياء رؤية الفلاح المصري عبر العصور ومنذ آلاف السنين لدورة الحياة ووحدة الوجود ،فالكلمة التي كتبها حامد عبد الله ليست كلمة زخرفية ولا هي تعبير عن رأي يل هي الكلمة اللوجوس الكلمة التي قرأها في الكتب السماوية الكلمة "التي هي دائماً الهيكل المصون لحقيقة الكائن في كليته" الكلمة المشهد و"كل مشهد لا يريك الكثرة في العين الواحدة لا يعول عليه" كما يقول إبن عربي ،الكلمة الخلاقة كما أسماها عبد الله الذي كان يحلو له دائماً أن يستشهد بنص الكتاب المقدس "في البدء كانت الكلمة" حيث آمن عبد الله أن الخيال الإبداعي هو الوسيلة الوحيدة للعبور بين الروحاني والمادي بين الجسد والأرض من ناحية والسماء من ناحية أخرى وبأن الكلمة هي الشفرة التي توحد ما بين العالمين ،وقبل الكلمة كانت الصورة التي رسمها الفنان البدائي على جدران الكهف وحورها المصري القديم لتصبح حرفاً أو هيروغليفاً يربط علاقته بالأرض وأيضاً بالسماء عبر الخيال كما يراه إبن عربي هذه الفكرة هي التي هيمنت على كلمات عبد الله الخلاقة بكل أشكالها وإن كانت تنوعت بتنوع الغرض منها ليس من منطق الرواية بل من منطق التعبير لم يكن يريد من كلمته أن تشرح حالة معينة بل أن تعبر عنها وتشير إليها أو كما قال "الفن يعبر ولا يروي ،يشير ولا يشرح" ولهذا وفي لوحاته التي تضمنت عبارات دينية مثل الله أكبر بالذات أوجد عبد الله حالة شجرية نباتية في اللوحة وكأنه أراد أن يربط كلماته بشجرة الوجود ووحدته ، ولكي يستطيع عبد الله أن يحول هذه الحالة الفلسفية إلى إبداع بصري كان لابد له أن يحكم السيطرة على أدواته التقنية فلجأ إلى التجريب في الخامات وإستعمال الوسائط كالورق المكرمش والعجائن والزجاج والمرايات والخيش والبولسترين واللينوليوم وأوراق الفضة وشرائح الألمنيوم والقطران واستعمل الفرشاة بحرفية وأيضاً السكين ليعطي أشكاله الحركة الديناميكية والرسوخ والصرحية والبنيان والتشخيص قال عن هذا الناقد الدنماركي ح.مولر نيلسون "إن ما يشد أكثر عند حامد عبد الله شغفه بالسطوح البارزة الضخمة وبالمواد الصعبة وغير المألوفة وبالأشكال الساحرة والعملاقة" ويضيف "وبهذا فهو يشبه أسلافه بناة أبوالهول والتماثيل الهائلة لرعمسيس وكذلك الأهرام وتمثال ممنون الضخم وكانت تلك هي المرة الأولى في تاريخ الفن التي تنتج فيها الأشكال الصرحية وقد عاد ظهورها بشكل حديث في أعمال حامد عبد الله"، ومع ذلك كان الخط هوالأساس في تجسيد الحرف الخط الذي يجيء منحنياً ملتصقاً بالأرض ملتفاً على نفسه في لوحات ( كالعبودية -1964م) ،( هموم العيش -1957م) ،( العبد -1975م ) ،( المتمزق - 1975م) ،و ( المرض - 1972م ) خط تشعر معه بإحساس بالذل والقهر لأن الكلمة تبدو كجسد منحن مقهور على أرض جافة ساكنة متشققة وأستعملت هنا تشققات الأكريليك لتقوية الشعور بالإنكسار الداخلي وإعطاء إحساس بالجفاف بالأرض الشراقي كما يسميها الفلاحين وربما كانت لوحة ( القحط -1970م ) هي الأكثر تعبيراً عن هذه الحالة حيث تظهر الكلمة هنا كغنسان متحور على نفسه والحروف بقع بيضاء على جسد أسود كانها تنحت حفرة إلى داخل فضاء اللوحة وليس خارجها من خلال التاثير الديناميكي على أرضية صفراء متشققة شقوقها سوداء مظلمة توظيف الألوان القليلة المتقشفة زاد من إحساس زاد من إحساس المتلقي بفاجعة الموضوع نفس الأسلوب اتبعة في كلمة (التسوية – 1973م ) أما لوحة ( التسليم – 1980م ) فتبدو فيها الكلمة كأنها تسبح في مستنقع من الوحل ذائبة فيه مختلطة به.
في لوحات أخرى تبدو الكلمة كحائط صلد مكعب جدار لفيف حائلاً أو مانعاً أمام أعيننا يتداخل فيه مساحات اللون على الظل الأسود لزيادة الشعور بالتجسد بينما يعطي إحساس الورق المكركش بالتشقق والتصدع مثل لوحات ( القذارة -1964م ) ،( الجوع -1958م ) و( الجوع -1983م ) ،في كلمات أخرى تحي بالعاطفة كمجموعة ( المحبة -1959م -1968م -1960م ) فمنذ الدراسات الأولى لها شكلها على هيئة أجساد تحتضن بعضها بل تحتوي بعضها ثم اعاد تجريدها وأضاف إليها بقع اللون ليقوي الشعور بالدفئ والإحتضان والإحتواء بل والإلتحام الإنساني  فقد أراد حامد في مجموعة المحبة أن يصنع إشارة حنونة للخصوبة والضم والوحدة هذه الحالة تتبدى أيضاً في لوحات ( كأمومة- 1962م )  و ( العشاق – 1959م و1961م ) حالة من الحميمية والإحتضان والإنسانية الرقيقة تتمعشق فيها حروف الكلمة في كل واحد وتكوين دائري لتشكل وحدة واحدة تتحد مع فضاء اللوحة في (المرأة والرجل- 1957م و1975م ) تبدو دراسات الكلمة مستوحاة من التماثيل الفرعونية كتمثال خفرع الشهير حالة من الجلال والشموخ والتواد لحرف أراد الفنان أن يكون حانياً وصلباً في نفس الوقت لذلك كان الخط ليناً مؤنسناً محتوياً لبعضه ، على العكس تماماً كانت كلمو ( لا -1970م و1977م ) التي رسمها بالأبيض والأسود بخامة الأكريليك على الورق بخط متحد قوي محددة بالأسود مالئة لفضاء اللوحة وبنفس هذا العنفوان ولكن بديناميكية قوية تعكسها الخطوط المائلة والحركة الدائرية التي تضفي حماسة وبهجة على اللوحة رسم لوحات (الثورة – 1968م و1974م ) ،( الصمود -1974م و1968م ) وأيضاً لوحة ( الثوار – 1959م ) ،وكرجل يرفع يديه بقوة إلى الأعلى يذكرنا بكلمة ( أمل – 1968م و1970م ) كانت الحرية راسخة الأقدام في الأرض رافعة الأذرع لعنان السماء ، كذلك عندما رسم ( إنهض – 1970م و1982م ) أراد الحروف واضحة ومنفصلة عن بعضها وصريحة فلم يستعمل الإرتجال الخطي الخاص به بل أوضح الحرف وابرزه كحرف بدون أي تلاعب على أرضية خالية من التشققات وحيدة اللون كانه أراد لمن يقرأها أن يتأنى ويدرك المعنى بعيداً عن أي تقنيات فنية تخرجه عن وحدة الموضوع أراد أن يخاطب المتلقي بوضوح برسالة وحيدة إنهض فقط غير محملة بأي معاني أخرى جمالية كانت أو تعبيرية فقط في لوحة 1982م لجأ لتحريك الحروف للدلالة على فعل النهوض.
أما في ( أكتوبرالعبور -1973م ) فقد كتب الكلمات بتشكيل مؤنسن متلاحم ومتحرك على أرضية حمراء بلا أي تشققات في إشارة إلى ان الأرض قد إرتوت بدماء أبناءها فتبدو الحروف في اللوحة الكبيرة نسبياً 130×240سم كأنها تتسارع لتعبر ديناميكية الخط عضدت بالبقع اللونية القليلة من اللون الأصفر وقواها التحديد بدرجات الأسود والرمادي على الأرضية الحمراء ،وفي مرحلته الأخيرة التي يقول عنها إدوارد الخراط " إنها تشي بإتساق فريد بين الألم والوداعة بين المكابدة ولوعات العذاب وبين المقدرة على تصفية هذه اللواعج وتنقيتها وتقبلها وتجاوزها بل تجاوزها من دون إنكارها عودة إلى أصول صرحية تظل ماثلة في عمله كله" ،في هذه المرحلة رسم لوحات مثل ( الفساد -1982م ) و ( إنفشاخ -1977م ) هذه المرحلة سبقتها مرحلة غاضبة كانت الحروف والألوان والأشكال تتشظى على سطح اللوحة موحيةً بالقلق والغضب وحركة ثائرة تعززها الألوان والملامس (كالجبان -1975م) و ( التسليم -1977م ) الكلمة التي رسم لها مجموعة كاملة و ( الصهيونية -1972م ) و ( الشعب المنهوب -1975م ) التي رسمها بالأبيض والأسود على أرضيات رمادية و ( مهموم – 1975م ) ،( المتمزق -1970م ) و ( العهر -1970م ) في هذه المجموعات كان يعكس الغضب الشعبي العام وغضبه الخاص حتى أن متلقي اللوحة وإن لم يكن  يجيد العربية كان سيرى حجم الغضب والشعور بالعار والألم في حركة أجزاء الحروف المشخصنة فيها هذا على عكس الحركة الموسيقية المتناغمة على إيقاع من الرقة في لوحة مثل ( قصيدة -1970م ) التي رسمها في نفس الفترة أو الحالة الروحية الساكنة ظاهرياً وغن كانت العناصر الزخرفية السابحة في بدن الحرف تخلق حركة في وسط السكون في لوحة مثل ( تأمل -1970م ) ،أيضاً حالات التأمل هذه كررها في لوحات مثل الهمزة وحرف الألف والقاف دائماً لم يكن الفيصل في اللوحات حتى التي كرر كتابتها أكثر من مرة إختلاف الخامة بل إختلاف التعبير من خلال إختلاف تشكيل الحرف نفس الكلمة تحمل كل مرة بمعان مختلفة تبعاً للطريقة التي رسمت بها ومع هذا لم يكتف الفنان بهذه القدرة الفلسفية الآدائية العالية على التعبير عما هو حياتي وتعدي هذا للتعبير بكلمته الخلاقة عما هو كوني فقد آمن عبد الله بقدسية الكلمة وبحث في الديانات والميثولوجيا عما يثبت إيمانه بأن الكلمة مقدسة وبانها مفتاح وحدة الوجود منذ الميثولوجيا المصرية التي نصت على أن تحوت ولد من كلمة  "ولد تحوت الذي خلق العالم من كلمة" وفي الإنجيل "في البدأ كانت الكلمة" وفي القرآن الكريم "الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون" ،فرسم لوحاته ( تحوت السماء والأرض) على هيئة كلمتي سماء وأرض باللغة العربية مجسدتان كما هما في الميثولوجيا الفرعونية في العام 1958م بالحبر الأسود على ورق ثم اعاد رسمها أكثر تجريداً بالألوان في العام1978م ، اما تجربته في اللوحات الدينية التي كتب فيها أجزاء من القرآن والكتاب المقدس فقد كانت تتميز بخصوصية الفكر والحالة وإستعمل فيها كل قدراته التقنية ومهارته في إستخدام الخامات وقدرته على تطويع اللون ليخدم الفكرة وليعبر عن الحالة الروحية للكلمة عن أنها المرآة التي تعكس حقيقة الكون وتظهر تلاحم وحدته وأن الكلمة المقدسة هي الكلمة التي تحقق تناغم الكون مع الإنسان وتكشف سر الخلود وأصل الجمال في هذه اللوحات لجأ عبد الله إلى تجزئة الأشكال إلى ما يشبه الجزيئات كأنه يعيدها إلى مادتها الأصلية التي تشكل وتكون منها الكون كله هنا تفكك إلى جزيئات متراصة داخل الأشكال التي تبدو وكأنها تسبح فوق الأرضيات وبجوارها أو حولها النصوص المقدسة مكتوبة بالخط الشعبي كما هي بدون أي محاولة للتلاعب الفني وبدون أي تشكيل زخرفي متوحدة مع الخطوط والأشكال المحيطة بها متناغمة معها بشكل جميل ومثالي معبر عن مثالية الكون وجماله استعمل عبد الله في رسمه للأشكال اللونين الأبيض والأسود لبيان أن المخلوقات والكون كله مجموعة من الظلال وأن الحقيقة الوحيدة هي الحقيقة الإلهية وان الله هو الوجود الحق وما سواه ظل ،حتى اللوحات القليلة التي إستخدم فيها القليل من البقع اللونية المتناثرة على تكوينات الجزيئات هدف فيها لإضفاء البعد والحالة الكونية كلوحات ( سفر الرؤيا -1975م ) والآيات ( 21من سورة الحشر و81 من سورة هود و53من سورة الكهف و13 من الفرقان -1976م ) و ( وتلك آيات الكتاب المبين ) الآية2 من سورة الشعراء -1976م هي مثال قوي على هذه الرؤية وذروة هذه التجربة الروحية بمقدار ماهي تجربة فنية ،أما عندما كتب (الموت ) في نفس العام كتبها بنفس الطريقة التي يكتب بها كل المشاعر الحياتية الأخرى صاخبة قوبة ديناميكية حقيقية وملموسة وإن كان وصفها على نفس الأرضية التي تشبه شقوقها الجزيئات التي إستخدمها في حالاته الكونية وأراد أن يعطيها بعد أكثر كونية فإستخدم اللونين الأزرق والأبيض في الخلفية مع تحديده للكلمة بظلال سوداء وعندما كتب الآية القرآنية "وجاءت سكرة الموت بالحق" سورة قاف آية19 كتب بنفس الحركة والديناميكية والوسائط مستعملاً أرضية بنية بلون الأرض وإحتلت كلمة سكرة منتصف اللوحة لأنها حالة ملموسة ومرئية وليست كونية.
حامد عبد الله بحق هو واحد من أصحاب المبادرات الإنسانية الصميمة التي عبرت عن نفسها بالخلق الفني هو مبدع شغل نفسه بقضايا ناسه وبقضايا البشر وسعى لأن يعبر عن موقفه المنحاز دوماً للحق والخير والجمال الكوني بكل ما أوتي من موهبة وأدوات لهذا لم يكن غريباً أن تحتل لوحاته مكانها بين أعمال المبدعين الحقيقين في العالم بمعرض جاليري تيت ، لأنه الفنان الذي وصفت عالمه أندرية شديد بقولها:
الإهتمام الواع يكفي .النظر يكفي
الكلمات دوماً فائضة عن الحاجة عندما تقترب من اللوحة
عالمه يحوي بعضاً من عوالمنا
أشياء تكشفها لنا عينه اليقظه
ويخلق عالمه الداخلي نتفاً نتفاً
يلاحق معاني الأشياء الغامضة أبداً والنابضة
هو يمشي بلا هوادة ويكدح
طريق الفنان متعددة المسارات ولا حواجز تحدها
الذي مرت عليه الأحقاب وحفره الزمن
ثم يجمد في مكانه ويصبح كالحجر الأثري
منعزلاً ملموساً ومهيمناً
أحياناً كان واحدها بتكثف
خلقت آفاقاً وأعماقاً
وتراكيب فوق بعضها
أخيراً تكاثفت الأحرف

المراجع:-
1-    روجيه جارودي – واقعية بلا ضفاف – ترجمة حليم طوسون –دار الكتاب العربي –القاهرة1968.
2-    هنري كورين – الخيال الخلاق في تصوف إبن عربي  -ترجمة فريد الزاهد –دار المدى للثقافة والنشر– بيروت2009م.
3-    جان برتميلي – بحث في علم الجمال – ترجمة أنورعبد العزيز –إصدارات المركز القومي للترجمة – القاهرة2011م.
4-    جيرروم ستولنيتز- النقد الفني دراسة جمالية – ترجمة فؤاد زكريا – الهيئة المصرية العامة للكتاب "مكتبة الأسرة" –القاهرة2013م.
5-    رولى الزين -الرسام عبد الله حياة وأعمال الفنان حامد عبد الله – دار بشارى للنشر – باريس2014م.

80x65Cm - مهزوم 1963
1969 -  تأملMeditation - 53x43cm









المحبة1975 -20×26سم

الموت1975 -34.6× 25.4سم

شريدة1966- 116×89Cm

 صهيون1970- 46×38Cm

قصيدة1970- 64×46سم

الخميس، 3 نوفمبر 2016

خطة بريطانيا لاقامة دولة يهودية في فلسطين قبل 72عاما على وعد بلفور -مقالي في عدد نوفمبر من الهلال في ذكرى مئوية وعد بلفور



" من لا يملك أعطى لمن لا يستحق " جملة يتردد صداها في ذاكرة كل عربي  منذ كان طفلاً  يسمع مرثيات الوعد المشؤوم في اليوم الثاني من نوفمبر من كل عام وهي تجلجل  في ميكرفونات الإذاعات المدرسية وعلى  لسان مدرس التاريخ وتطل عليه مصحوبة بمشاهد التهجير والدمار والخراب من شاشات التليفزيون الوعد أو الرسالة التي أرسلها وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور للكونت ليونيل والتر روتشيلد في ذات اليوم من العام 1917م نصت على التالي :
" عزيزي الكونت روتشيلد
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته التصريح التالي ،إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ،وسوف تبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية ،على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من حقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي لليهود في البلدان الأخرى ،سأكون ممتناً إذا ما أحطتم الإتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.
                                                        المخلص  آرثر بلفور "
النص الذي لا يختلف كثيراً في مضمونه عن قرار عصبة الأمم 1922م الذي منح بريطانيا حق الإنتداب على فلسطين مشروطاً بتنفيذ مشروع الدولة اليهودية وتضمنه اول دستور أرساه البريطانيين في فلسطين وأيضاً قرار التقسيم181 الذي صدر بعده بثلاثين عاماً وللمفارقة هو أيضاً لا يختلف كثيراً عن حل الدولتين الذي تطالب به السلطة الفلسطينية والدول العربية الآن فهذا الإعتراف الرسمي الذي منحته حكومة الإمبراطورية البريطانية لتأكيد مباركتها لتكوين النواة الأولى لدولة صهيونية على أرض فلسطين بوصفها المالكة الحقيقية للقوة على الأرض لمن رأت أنه يستحق من وجهة نظرها هذه الملكية أصبح حقيقة واقعة يعترف بها العرب أنفسهم – ولعل جنازة شيمون بيريز أحد آباء الجيل الثاني من العصابات الصهيونية والتمثيل العربي والفلسطيني الكبير وعالي المستوى بها خير مثال على ذلك – إستطاع اليهود الصهاينة أن يقنعوا البريطانيين بالأخص والغربيين بالأعم وهم مالكي القوة الحقيقية بأحقيتهم الأدبية في فلسطين قبل وعد بلفور بزمن طويل واستطاعوا أيضاً أن يقنعوا الحكومة البريطانية أن وجودهم في فلسطين يتوافق مع المصالح العليا للإمبراطورية البريطانية وقطعوا لإثبات أحقيتهم هذه شوطاً طويلاً جداً بدأ بالكلمة.
دائماً ما تكون البداية كلمة عندما تأسست أول مطبعة عبرية على الأرض فلسطين في العام 1563م وكانت الأولى في آسيا ، بعد ذلك بأكثر من قرن نشر في أوروبا العام1698م كتاب باللغة الفرنسية يصف الفظائع التي يتعرض لها يهود القدس تحت الحكم العثماني ،وفي قفزة قرن آخر يرسل نابليون بعد غزوه لمصر ودخوله فلسطين في العام 1799م دعوة ليهود العالم لإقامة وطنهم القومي في فلسطين وتنتهي الدعوة بهزيمته على أسوار عكا ،بعدها وفي العام 1818م تتشكل في بريطانيا أول جمعية تطالب بإحياء الأمة اليهودية في فلسطين وقد لاقت هذه الدعوة ترحيباً من قطاعات مهمة في السياسة البريطانية بحلول ثلاثينيات القرن التاسع عشر بفضل جهود اللورد شافتسبوري وحمية اللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا من 1851م حتى1830م والذي شغل أيضاً منصب رئيس الوزراء ووزير الثقافة وعدة مناصب أخرى وكان كلاهما مسيحياً صهيونياً متعصباً يؤمن إيماناً عميقاً بوجوب عودة أمة العهد إلى أرض صهيون لتتحقق العودة الثانية للمسيح وتحل مملكة الله على الأرض ورغم كراهيتهما العميقة للوجود اليهودي في بريطانيا كانا يؤمنان تماماً أن قدر بريطانيا هو المساعدة في إحياء أمة صهيون فكتب شافتسبوري نفسه "رغم إعترافي بأن هؤلاء القوم (اليهود) حقراء وحقودين وغارقين في التحلل الأخلاقي وجهلة بتعاليم الإنجيل لكنهم ليسوا فقط جديرين بالخلاص بل إن خلاصهم لابد منه وحيوي لخلاص المسيحيين" ،ولذلك ضغط بالمرستون بعد مساعدته للعثمانيين في دحر المصريين من الشام وتخليصها لهم من الإدارة المصرية تحت حكم محمد علي لتنفيذ شيئين الأول هو إنشاء قنصلية بريطانية في القدس عام1838م والثاني هو تعزيز وتشجيع إستيطان اليهود الأوروبين في الأراضي المقدسة ،ففي رسالة واضحة إلى القنصل البريطاني في القسطنطينية طلب بالمرستون إقناع السلطان أن وجود اليهود في فلسطين سيزيد من موارد وثروات الإمبراطورية العثمانية وأن دعوة ورعاية مباشرة منه لهذا الأمر سيساهم في إحباط أي محاولة شريرة قد يقوم بها محمد علي في المستقبل لتهديد المصالح العثمانية والغريب أن زعيم السانسيمونيين الفرنسيين المقيم في مصر أنفايتان قد عرض على محمد علي هو الآخر إقامة مشاريع في فلسطين بتمويل يهودي بالإضافة لمشروح شق قناة السويس ليضع على حد قوله قدم في مصر وأخرى في بيت المقدس وتلمس يداه مكة وروما لكن محمد علي رفض المشروع برمته لشكه في أنه يزيد مطامع الغربيين في بلاده على عكس العثمانيين الذين رحبوا بالفكرة والتي بدأت تتحقق على الأرض لدرجة أنه بحلول عام1845م نشر إدوارد لودفيج ميتفورد أحد مساعدي بالمرستون البارزين في عدة صحف إلتماساً يطالب فيه صناع السياسة البريطانية بإسم أمة إسرائيل أن يجعلوا شرعية إقامة هذه الأمة في فلسطين أحد أهداف السياسة الإمبراطورية في الشرق وقد نشر هذا الإلتماس على هيئة مقال عنونه "إقامة دولة يهودية في فلسطين تحت الحماية البريطاني" ،وأكد فيه أن هذا ينبغي أن يكون هدفاً حيوياً للسياسة البريطانية مبرراً ذلك بأنه هو الحل الوحيد للحفاظ على طرق الإتصال والإمداد بين أجزاء الإمبراطورية ولضمان مركز متفوق في الشرق على باقي الأمم خاصة مع إختراع السفن البخارية وإنشاء خط مواصلات سريع لآسيا عبر المتوسط ثم بالسفن البخارية حتى القاهرة فبراً للسويس ومنها للهند دون المرور برأس الرجاء الصالح.
هذا المقال هو بمثابة التصريح الأول عن ضرورة الوجود اليهودي في فلسطين حماية للمصالح الإمبريالية للإمبراطورية البريطانية في مصر بالتحديد وكان هذا دلالة على إقتناع صانع القرار البريطاني بأن الوجود اليهودي في فلسطين لم يعد مجرد فكرة دينية اة أخلاقية بل أصبح أيضاً ضرورة سياسية ولذلك أعادت بريطانيا إستغلال حاجة الدولة العثمانية لمساعدتها في حرب القرم ضد روسيا لتغيير الأوضاع على أرض فلسطين لتتشكل أول مستعمرة يهودية بالقرب من القدس في عام1854م ولتعطي العلية لرعاياها اليهود للمرة الأولى الحق في حيازة الأرض فاتحة بذلك المجال لمستعمرات أخرى ،ومع إفتتاح قناة السويس للملاحة في العام 1869م برعاية فرنسية وعدم رضا بريطاني زادت أهمية فلسطين كحد شمالي للقناة ينبغي من وجهة النظر البريطانية أن لا يترك نهباً لأمم معادية وبصفة خاصة مع إزدياد النشاط التبشيري لكل من ألمانيا وفرنسا وروسيا في فلسطين وإدراك البريطانيين لأهمية القناة كشريان حيوي في جسد الإمبراطورية مما دفع بريطانيا لتشجيع ماعرف بإسم ( العاليا الأولى – أو العاليا الزراعية عام1880م ) أي العودة الأولى لليهود لوطنهم الأول في فلسطين برعاية وتمويل اللورد روتشيلد وقبلها بعامين في العام1878م أنشأت أول مستوطنة منظمة على أرض فلسطين بإسم بتاح تكفا و التي لقبت بأم المستوطنات وكان المهاجرين في هذه الهجرة فلاحين من روسيا واليمن عاد اغلبهم بعد ذلك لبلادهم الأصلية ودفعها أيضاً للإحتلال العسكري لمصر عام1881م وإنشاء قاعدة لها في منطقة القنال وأنشات في فلسطين المستوطنة الكبرى الثانية وسميت ريشون لي صهيون وكان اغلب قاطنيها من اليهود الروس وبعد إحتلال مصر مباشرة وضع البارون روتشيلد في ديسمبر حجر أساس قرية زمارين اليهودية والتي سكنها يهود رومانيين زورت أوراقهم ليصبحوا رعايا للدولة العثمانية وإحتوت على سبعمئة بيت ومدرسة زراعية متطورة وهي الآن بلدة زيكرون ياكوف ،وهكذا أصبح تعداد اليهود في فلسطين بحلول عام1897م تاريخ إنعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ما يقرب من الأربع وعشرين ألف يهودي واستعان الصهاينة بالرشاوي وفساد الموظفين وطمع العثمانيين في بيع الأراضي التي ملكوها عنوة في فلسطين بالتحايل على قوانين الدولة العثمانية التي لم تكن تسمح بتملك الأراضي لغير رعايا الدولة وإشتروا مساحات شاسعة من الأرض كذلك تكالبت الدول الكبرى والمبشرين لشراء الأراضي وأيضاً السماسرة الذين كانوا بمعاونة الموظفين يجبرون صغار الملاك على البيع بأثمان بخسة ويعيدون البيع لوكلاء الصهاينة ثم بدأ الوافدين الجدد مطلع القرن العشرين ببناء المصانع وتعبيد الطرق وإستيراد الآلات من أوروبا ليظهروا أمام العالم أنهم قادرين على إنشاء دولة متحضرة على الطراز الأوروبي في أرض الميعاد ،ثم بدأت الموجة الثانية من الهجرة أو العاليا الثانية كما تعرف وكانت هذه المرة من قبل صناع ومعلمين ومدنيين بدأوا في بناء أول مدينة صهيونية على الطراز الأوروبي في الأراضي المقدسة والتي أصبحت فيما بعد عاصمتهم تل أبيب حتى هذه اللحظة كانت بريطانيا تسير خطوات بطيئة ومتأنية على درب تسليم فلسطين للصهاينة إلى أن إشتعل إوار الحرب العالمية الأولى وتحالفت الدولة العثمانية مع ألمانيا وتوالت الهزائم في كل الجبهات على بريطانيا وحلفاءها خاصة في جاليبولي وفي فبراير من العام 1915م تمكنت قوة من الجنود الأتراك تحت قيادة ضباط ألمان من عبور شبه جزيرة سيناء والوصول إلى ضفة القناة أي الوصول لشريان حياة الإمبراطورية الواصل إلى الهند وهو ما احدث صدمة لإستراتيجية الدفاع البريطانية القائمة على أنه لا يوجد جيش حديث يستطيع إجتياز هذا المانع الطبيعي وبالتالي أن جبهة الشمال آمنة ونسي البريطانيين ان الجمال إستطاعت أن تفعل ذلك عبر العصور كما انه وبطريقة ما في أكتوبر عام1916م إستطاعت الطائرات الألمانية أن تصل القاهرة وتروع قاطنيها ولهذا كان على الإنجليز ان يمدوا خط دفاعهم الشمالي عن مصر حتى فلسطين فكان هذا هو السبب الرئيسي في الإسراع بإعلان بلفور في نوفمبر1917م فقد وجدت الحكومة البريطانية أن حلفها مع الصهاينة هو أسلم طريقة لتأمين مصالحها بأرخص التكاليف البممكنة ودون تحميل المواطنين البريطانيين أعباء إضافية حيث سيتكفل الصهاينة بتكاليف حماية الحدود الشمالية وهي خطوة كانت بريطانيا التي رأت في حلفائها الصهاينة بديلاً مريحاً للنزاع معهم لأنها ظلت تشك في نوايا الفرنسيين بالأخص تجاه تجارة الأرض المقدسة رغم توقيع إتفاقية سايكس بيكو معهم في مايو 1916م وكانت من أهم العوامل التي شجعت البريطانيين على إتخاذ خطوة إعلان بلفور هي موافقة الولايات المتحدة ومباركتها له بعد دخولها ساحة القتال إلى جانبهم وموافقتها أيضاً على فرض الإنتداب البريطاني على فلسطين التي كانت لاتزال رسمياً ولاية عثمانية بعد إقناع صهاينة أمريكا للرئيس ويلسون بضرورة ذلك وبالإضافة إلى إيمان رئيس الوزراء البريطاني في تلك الفترة لويد جورج بأحقية وعدالة مطالب اليهود فإنه أيضاً كان يرى أنهم سند للإمبراطورية في بلدانهم الأصلية وخاصة روسيا التي سقطت فيها قيصرية آل رومانوف المعادية للسامية وكان حكامها الجدد بمثابة اللغز المحير والخطر على المسرح الأوروبي في تلك الفترة الحرجة والغريب أنه كان هناك تيار يهودي قوي في بريطانيا رأى أن إعلان الحكومة البريطانية معاد للسامية وخطر على الأمة اليهودية وأن الحركة الصهيونية بحد ذاتها أكبر خطر على اليهود وقد تزهم هذا التيار أدوين مونتاجيو وزير الهند الأسبق في حكومة صاحبة الجلالة وواحد من أوائل اليهود الذين شغلوا مناصب مرموقة في الإمبراطورية وقد ألقى خطبة في البرلمان أواخر العام 1917م إتهم فيها الحكومة بالعداء للسامية ومحاولة نفي اليهود من بلادهم الأصلية والقضاء على مكتسباتهم تحت دعوى عنصرية هي الوطن القومي لكن الدعم الأمريكي والفرنسي والإيطالي ومباركة الفاتيكان لخطوة بلفور قوى من موقف حكومة لويد جورج أمام البرلمان وإن كان قد دفعها للتأكيد على الجملة الأخيرة في خطاب بلفور لروتشيلد والتي نصت على ضمان حقوق ومكتسبات اليهود في بلدانهم الأصلية وبرغم أنه وبعد إعلان بلفور بإسبوع واحد أصر فلاديمير لينين قائد روسيا الجديد على الخروج من الحرب بالرغم من كل جهود اليهود لإقناعه بمساندة بريطانيا إلا أن الحكومة لم تتراجع عن وعدها بسبب الفوائد الأخرى الناتجة عنه وبسبب الدعم الشعبي القوي لخطواتها هذه وظهر هذا جلياً في ردود أفعال الصحف بعد الإعلان ،على سبيل المثال نشرت صحيفة الجارديان الليبرالية في إفتتاحيتها التي كتبها محررها الرئيسي ج. ب. سكوت بعد الإعلان مباشرة يقول "يتحدث البعض عن فلسطين كدولة ولكنها ليست دولة بل سوف تصبح فيما بعد ؛سوف تصبح دولة لليهود هذا هو معنى إعلان بلفور الحقيقي" ثم إستطرد قائلاً "إن سياسة الحكومة البريطانية ستكون بوضوح هي أن تشجع بكل قوتها هجرة اليهود لفلسطين بهدف إنشاء الدولة اليهودية فيها" وفي إشارة لأهمية هذا لوضع بريطانيا في مصر كتب المحرر "إن لفلسطين أهمية قصوى لدى بريطانيا العظمى لأنها إن سقطت في يد قوة معادية من الممكن أن تصبح قاعدة لشن هجمات على مصر ولذلك فإن أهم مصالح بريطانيا تتمثل في عدم تواجد أية قوى عظمى بأي شكل على أرض فلسطين لأن ذلك سيمثل على الأغلب إمكانية شن أعمال عدائية ضد الإمبريالية البريطانية" ، وإتفقت صحيفة نيو ستاتس مان ذات الميول اليسارية مع الجارديان في رؤيتها وإن كانت أكثر تحديداً في رؤيتها التي نصت على أن مصالح الإمبراطورية في السويس تؤدي إلى نتيجة واحدة هي وجوب دعم الصحوة الصهيونية والإشراف عليها برعاية بريطانية وانه مهما كانت الإنجازات التي حققها اليهود في البلاد التي يعيشون فيها فإن الأفضل لهم أن تكون لهم دولتهم التي تخدم مصالح الإمبراطورية كذلك وافقت الدايلي إكسبريس الأوسع إنتشاراً على أن إعلان بلفور هو بمثابة إعلان لقيام الدولة اليهودية وأكدت على وجوب فتح هذه الدولة لليهود من كافة أنحاء العالم أما التايمز اللندنية فجعلت عنوانها الرئيس يعبر عن ما تراه فلسطين لليهود وإكتفت بنشر مقتطف من نص موافقة مجلس الوزراء على إعلان بلفور.
بعدها نشرت الجارديان على صفحاتها أن إعلان اللورد بلفور لاقى ترحيباً كبيراً من السير رونالد ستورس أول حاكم عسكري بريطاني للقدس وأنه قال أن هذا إجراء لابد منه لحماية شريان الإمبراطورية النابض في السويس وأن إستعمار اليهود لفلسطين سيوجد لبريطانيا حليفاً قوياً في خضم البحر المعادي لها من العرب كما نشرت رأي لليساري الأشهر في عصره الكولونيل جوزايا سميث قال فيه أنه بسبب رفض المصريين للوجود البريطاني على أراضيهم فلابد أن تظل فلسطين في يد رجال نستطيع الإعتماد عليهم حتى لو كان ذلك لأنهم يعتمدون يتناغم مع المصالح البريطانية في المنطقة , ولم تبال هذه الصحف بأن تعداد اليهود المقيمين في فلسطين للعام1917م كان على أقصى تقدير ثمانين ألف بينما تعداد العرب في نفس الفترة سبعمائة ألف لأنهم ببساطة من وجهة نظرها جهلة ومتخلفين ويعيشون خارج التاريخ بل إن بعض الصحف وصفتهم بأنهم ( أبؤريجينال العصر ) ووصفهم محرر الجارديان بأنهم في أدنى درجات الحضارة ولايوجد لديهم اي قدرة على التقدم واللحاق بركب المدنية وهو في رأيه هذا لم يختلف مع رئيس تحرير الجارديان الذي سبقه هـ. ن. برايسلفور الذي وصف عرب فلسطين بأنهم برابرة نصف متوحشين ليس لديهم القدرة على إعمار فلسطين وأنه من الممكن إستبدال هذا الجنس المنقرض بملايين من الأوروبيين البيض القادرين على بناء مجتمع متحضر ،اما تشرشل الذي عاد مرة اخرى لوصف عرب فلسطين بأنهم ككلب أقام في مكان ما لمدة وهذا لا يعني في نظره أن لهذا الكلب حقوق في هذا المكان وأنه لا يعترف بأنه قد حدث خطأ بحقهم بهذا الإعلان بنفس رؤيته أنه لا يرى أن هناك أي خطأ أو ذنب أرتكب بحق الهنود الحمر في أمريكا ولا بحق من دعاهم بسود أستراليا.
وهكذا وحماية لمصالحها في مصر وفي قناة السويس على الأخص أعطت بريطانيا الوعد الذي خلق شرعية إقامة الدولة الصهيونية على أرض فلسطين مستغلة ضعف وجهل سكانها العرب وهو السبب الذي من وجهة نظر صانع القرار البريطاني أعطاه الحق في طردهم من أراضيهم ومنحها لمن يستحق من وجهة نظرها لأنه أيضاً من وجهة نظرها أكثر تحضراً ومدنية ورقياً وقدرة على خدمة مصالحها وليشهد العالم بعد الوعد البريطاني بثلاثين عاماً طرد أكثر من أربعمئة ألف عربي من أراضيهم دون أن تهتز له شعرة ليحل محلهم القادمين من شتات المعمورة سعياً وراء إقامة مملكة الله على أرض ظلم فيها الإنسان وطرد منها ،وبهذا ولدت دولة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين رسمياً في 19مايو 1948م بمباركة الإمبرياليون الجدد والقدامى.



إلى اليسار الصورة الوحيدة التي توثق إستسلام عمدة القدس ومسئوليه العثمانيين تحت راية بيضاء وتسليم المدينة للبريطانيين صبيحة التاسع من ديسمبر 1917م – إلى اليمين القوات البريطانية بقيادة الجنرال الليمبي تدخل في موكب النصر من بوابة يافا بالقدس ظهيرة نفس اليوم


صورة على بوابات القدس "بوابة يافا " تظهر  فرق الجيش البريطاني  وعمدة القدس مع قادة الجيش أثناء مفاوضات تسليم المدينة صبيحة التاسع من ديسمبر 1917م

صورة توضح بدايات وصول المستوطنين اليهود من كافة أنحاء الأرض ليشكلوا نواة بناء المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين


مجموعة من اليهود الوافدين الجدد إلى جوار خيامهم و لافتة كتب عليها معسكر الهجرة تل أبيب لليهود


صورة لبلفور أثناء زيارته للمستوطنات الإسرائيلية  خلال تواجد في فلسطين لإفتتاح الجامعة العبرية – 1925م

صورة لبلفور أثناء مراسم الإستقبال الشعبي الحاشد له في مستوطنة ريشون لي صهيون الإسرائيلية  خلال تواجد في فلسطين لإفتتاح الجامعة العبرية – 1925م


صورة تجمع مهندسي وعد بلفور وإغتصاب الأرض الثلاثة البريطانية في فلسطين يحضرون افتتاح  الجامعة العبرية عام 1925م اللورد اللمبي  قائد القوات البريطانية في فلسطين عام 1917 اللورد بلفور والسير هربرت صمويل المندوب السامي البريطاني

إضالحداد والمقاطعة والأعلام السوداء التي كست البيوت العربية في إستقبال اللورد اللمبي  قائد القوات البريطانية في فلسطين عام 1917 اللورد بلفور والسير هربرت صمويل المندوب السامي القادمون لافتتاح  الجامعة العبرية عام 1925مافة تسمية توضيحية
المانشيت الرئيسي لصحيفة بلاستين بوست الصادر بتاريخ الأحد 16مايو 1948م معلنناً للعالم ميلاد  دولة إسرائيل رسميا