"عندما يتحقق مستوى من
التقدم التكنولوجي أعلى إلى حد كبير من المستوى
البدائي تنتاب الإنسان مخاوف وعذابات لا يسببها عجزه أمام الطبيعة التي
استطاع أن يروضها إلى حد كبير بل تنتج عن مواجهته للقوى الإجتماعية التي خلقها بنفسه ثم استقلت بنفسها لتتصدى له كما لو مانت
غريبة عليه تهدد بطحنه فالفقر والأزمات وأجهزة القمع والحروب تشكل جميعاً قوى
إنسانية إنفلت عقالها"
هذه الفقرة من كتاب روجيه جارودي
"واقعية بلا ضفاف" تلخص ما شعر به البشر بعد الكارثة التي حلت بهم في
الحرب العالمية الثانية شعور بأنه ينبغي أن نظهر حجم الكارثة التي حلت بالبشرية بل
ونوجد حلولاً جذرية لمنع تكرارها من خلال توعية وتثقيف من صنعوها من خلال تغيير
الإنسان بالثقافة وهو ما أطلق عليه جارودي "مبادرة إنسانية صميمة تعبر عن
نفسها بالخلق الفني من خلال إدراك الإتجاهات الدفينة لمراحل الخلق في الماضي ...
والمواصلة الأصيلة للهدف الأساس الممتد عبر آلاف السنين في كل العهود وكل الحضارات
وهذا الهدف هو تجاوز اللوحة الزخرفية أو الوصفية لخلق عالم مختلف عن عالم الطبيعة
... ولا بد أن ينشئ هذا الخلق الملحمي الغنائي ،لغة غير اللغة الطبيعية المصاغة في
قالب الإمكانيات العلمية والتكنيكية"، هذا هو ما ميز الخلق الفني لفناني ما
بعد الحرب الثانية هذه الحالة من محاولة خلق عالم مستمد من جذور حضارتهم ومشاربهم
ولكنه في نفس الوقت يصور الواقع كما يروه دون محاكاة عالم مختلف عن عالم الطبيعة
لكنه يمثل رؤيتهم لها وبحثهم عما يجعل الطبيعة أفضل ،في هذا الإطار يحتفي متحف تيت
بلندن Tate Art Gallery بمحاولات هؤلاء الفنانين
ومنجزاتهم في معرضه الذي افتتح في 23مايو2016م بعنوان "الجسد الخفي – فن ما
بعد الكارثة" ويعرض فيه أعمال فنانين من كافة أنحاء المعمورة أنتجوا أعمالاً
منذ منتصف الخمسينيات يعبرون فيها عن موقفهم من الحروب والأزمات التي مرت على
بلادهم ويحتوي المعرض على أعمال لفنانين مثل بيكاسو وماتيس ودالي و دوبوفيه
بالإضافة إلى فنانين آخرين ابتعدوا عن المدارس الغربية في التشكيل وابتكروا
أساليبهم الخاصة المستمدة من تراثهم وثقافتهم مجموعة من هذه الأعمال ثلاثة
بالتحديد تحتل مكاناً بارزاً على جدران الغرفة السادسة من الطابق الثاني للمتحف
وتخص واحد من أهم فناني الجيل الثاني من الرواد في مصر إنه الفنان حامد عبد الله
(1917- 1985م) الأعمال الثلاثة هي مهزوم والشريدة وتأمل جميعها تم ‘نتاجها في
الفترة من1956م ل 1969م وهي الفترة الأهم في مرحل الإنتاج لدى الفنان ليس بسبب أنه
نال حظوة عالمية كبيرة فيها ولا لإنخراطه في أنشطة جماعة كوبرا الفنية ولكن لأنها
شهدت التطور المذهل في مرحلته الخطية المرحلة التي تمكن فيها من أدواته وتقنياته
وأفكاره بحيث أنه وصل إلى ذروة المهارة في تنظيم عناصر الوسيط المادي وحقق أعلى
تنظيم للدلالة التعبيرية واللوحات الثلاث تمثل المحاور الثلاثة التي عمل عليها عبد
الله في خطياته "المواقف السياسية مثل لوحة مهزوم – استسلام – انبطاح ....إلخ
، المواقف الإجتماعية مثل شريدة – رجل وامرأة ..... ، حالة كونية تأمل آيات من
الكتاب المقدس –الله أكبر..." هذا الخلق الفني هو مبادرة حامد عبد الله التي
تواصل فيها مع جذوره الممتدة عبر آلاف السنين لصناعة عالمه الملحمي ، لكن من هو
عبد الله وما هو عالمه ؟
"إن مبدئي كفنان شرقي هو أن أرسم
الطبيعة كما أراها بفكري لا كما أراها بعيني" جملة بسيطة قالها حامد عبد الله
يوماً ولخص بها منجز حياته التي كرسها منذ بداياته الأولى لصياغة أسلوب مصري شرقي
مجدد في التصوير ممهور بإمضائه ليغزو به العالم ويترك أثره وبصمته على تاريخ الفن
التشكيلي في ملحمة خاض خلالها رحلة من البحث والجد والمثابرة والتجارب والدرس
والتحصيل والتحليل للمدارس الغربية ولبتراث والفلسفة والفكر والتفاعل مع التراب
والبشر والزرع والكون والصراع والدمار والحرب والإنتصار والفقر والحب والبقاء
والفناء والإيمان ليكون صوتاً لأهله وناسه
وكتاباً لحكاياتهم ليس على سطح اللوحة فقط بل على جدار الزمان أيضاً ليحكي
حكاياتهم للأزمنة القادمة ويخلدها كما خلدها أجداده من قبله ، ولهذا الهدف سعى
دوماً إلى أن طريق حياته يجب ان بتقاطع مع طريق هؤلاء الناس آمن بهذا وجعله أسلوب وفلسفة
حتى أنه كتب يوماً وهو بعيد عن ناسه هؤلاء في باريس عاصمة النور عام1951م عن هذا
الطريق النص الآتي "الطريق الذي أعنيه ليس الطريق الذي يسلكه الفرد ذهاباً
وجيئة ... بل طريق الحياة .. الطريق الذي أعنيه هو طريق الناس .. طريق من أذاقهم
أعداء الحياة مرارة الشقاء .. بل شقاء الجبابرة الذين تلقوا ضربات القرون في
احتمال بطولي من لا يملكون شيئاً غير النفوس الكبيرة .. المفعمة بالأمل"،
هؤلاء هم أبطال أعمال حامد عبد الله والذين سعى طوال مسيرته الفنية إلى ان يصورهم
ويصور لهم ، أن يصور الشعب للشعب وأقصى أمنياته أن يتمكن من خلال فنه من التعبير
عن آمال هذا الشعب في الحياة .
وككل الواقعيين آمن أن الفنان غير قادر على
الإستفاد من رسوم القرون الماضية ولا إستشراف رسوم القرون القادمة إلا بطريقة
واحدة وهي الوسيلة الوحيدة التي تبقي الفن على قيد الحياة ألا وهي الخبرة المعاشة
فالفن في أساسه هو خبرة الفنان وتفاعله مع ما حوله على طريق الحياة والناس وليس
بمعزل عنهم لينتج عالمه الفني الخاص الذي قام على ركيزتي الإنسان والأرض والحرف
الذي يعبر عنهما وعن علاقاتيهما بباقي عناصر الوجود مستمداً من معارف وخبرات هؤلاء
الناس وحياتهم ومعتقداتهم ومن خلالها أوجد عبد الله طرقاً مبتكرة للإستفادة من
التراث والحداثة والتقنية ، فعالم حامد عبد الله الفريد كان مركزه في القاهرة التي
ولد فيها في حي المنيل 13أغسطس 1917م أي بعد إنتهاء الحرب العالمية الولى مباشرة
ومن رحم ثورة 1919م وهي مرحلة ذهبية في تاريخ مصر حفلت بالعديد من المتغيرات
الإجتماعية والسياسية والثقافية والكفاح ضد الإستعمار البريطاني وعودة مئات الألوف
من العمال المصريين من الحرب وأهوالها وصدماتها وانعكس هذا الحراك على حياة
المصريين الذين أصبح لديهم تطلعات أخرى كما كانت هذه الفترة مهداً لدعوة نشأة
إقتصاد مصري وثقافة مصرية في مواجهة التغريب وهيمنة الثقافة والإقتصاد الأجنبي على
مفاصل الحياة في مصر ، كذلك عبد الله حمد الفلاح البسيط والد حامد كان يتطلع أيضاً لحياة أفضل ولهذا وككثير من الفلاحين
غادر قريته العوامية سوهاج سيراً على الأقدام وصولاً إلى المنيل وعمل في
الزراعةمهنة آبائه وأجداده واستعان بأبنائه التسعة ومنهم حامد في الفلاحة ولكنه
كان حريصاً على إدخالهم الكتاتيب أملاً في المستقبل الأفضل وفي الكتاب لفتت براعة
حامد في كتابة الخط وتزيينه الأنظار للفتى بالإضافة لولعه بالرسم الذي نما من خلال
تحديقه لملامح أقربائه وأصبح يرسم في كل مكان على الحوائط والموائد وأرصفة الشوارع
فكان جل طموح اباه أن يصبح حرفياً ماهراً وهذه كانت سوف تصبح نقلة إجتماعية
وإقتصادية مهمة في حياة العائلة من وجهة نظره فأدخله معهد الفنون التطبيقية
المجاني في الجيزة قسم الحديد المشغول ولأن مخيلته الإبداعية والفنية كانت تتفوق
على أساتذته كان محل سخرية دائمة وإتهام بالفشل وعدم فهم ممن حوله مما أثار غضب
والده عليه وقطع العلاقة بينهما فعمل ابن الخامسة عشر عاملاً يدوياً ليوفر لنفسه
أدوات الرسم ولم يفت في عضده رفض لجنة مدرسة الفنون الجميلة له لأنه لم يحصل على شهادة
الثانوية العامة بل زاده قوة وإصراراً وأيضاً إلتصاقاً بالناس فحفلت لوحاته في تلك
الفترة بمشاهد من حي الموسكي ورواد المقاهي وسكان الحارات مقهى النيل كان مقره
ووجوه رواده كانت مواضيع لوحاته الأولى وهناك قابل تاجر إسفنج يوناني يدعى
ياناكاكيس إنبهر به وعرفه على عوالم ألجريكو وفناني أوروبا ،كان حامد يقرأ بغزارة
ويوفر من نقود عمله البسيط لشراء كميات هائلة من الكتب في شتى المجالات يعكف على
قراءتها بنهم ركز في كتب التراث والفلسفة لوحاته في الفترة من 1937م إلى 1939م
تؤكد على قدرة وتفوق مذهل خاصة فيما يتعلق بليونة الخط وقوة التكوين رغم أنه لم
يكن قد بلغ العشرين قرر في العام1938م أن يعرض أعماله على لجنة تحكيم صالون
القاهرة فقبل وعرضت أعماله التي كتب عنها الناقد غابرييل بكتور "رأينا لأول
مرة في صالون القاهرة حضور وفد من سكان حي المنيل بجلاليبهم الجديدة التي تتناسب
وجلالة الحدث جاءوا ليشاهدوا صورهم معلقة ومعروضة أمام حشد كبير من الزوار"
،المرة الأولى وربما تكون الأخيرة التي حضر فيها الفلاحين بجلاليبهم معرض فني فكان
ذلك النجاح الأول لحلمه الذي عبر عنه بخطه ولونه يقول غابرييل بكتور "لابد
وأن حامد عبد الله يذكر بما قاله ألفونس دودي بأن الحياة تختصر إلى توليف خطوط
وأشكال وألوان" ،رسم عبد الله وجوه الناس وأجسادهم بخطوط تشي بسخريتهم من
الألم والوجع والفقر وبتهكمهم على من أذلوهم وجعلوهم يعانون رسم حكمة الفلاح
المصري عبر القرون وبخطوطه اختزل فلسفة حياة اهله في الخطوط والأشكال والألوان
وبدأ في تحقيق هدفه وليستكمل هذا الطريق كان لابد من أن يعود إلى منبع تراثه إلى
الصعيد ،يقول حامد عبد الله عن هذه الرحلة "ياللإنبهار !ستة أشهر من النور
،ستة أشهر من التواصل مع أعظم سادة العالم الفراعنة" ،في عام1941م شجعه موريك
برين لإقامة معرض واقتنت وزارة المعارف بعض أعماله بل ودعاه طه حسين للتدريس في
المرسة التي رفضت أن تقبله طالباً ورفض لأنه لم يكن لديه ميل للتدريس وإن كان قد
بدأ في إعطاء دروس خاصه لبنات الطبقة الراقية واستكمل دراساته للفن العالمي كما
أقام العديد من المعارض وبدأ في تطوير خطه ونوره خط قوي أسود تحيطه هالات من نور
أبيض ناصع يتناسب وطبيعته كمصري لأن الضوء المبهر يخفف حدة اللون ليتخذ أسلوبه
طابع نحتي بعيد كل البعد عن التكعيبيين الغربيين ومرتبط كل الإرتباط بجذوره وواقعه
ظهر ما يريد أن يظهره ويثبته أن ابن الفلاح المصري الفقير يستطيع أن يقف على قدم
المساواة بل أن يتفوق على الأوروبيين وأن يصبح معلماً ورائداً لأسلوب واتجاه جديد،
يقول عنه إيميه عازار "تمكن عبد الله من الوصول إلى القوة في تعبيره بريشته
،فالرسم حاد وقاس والأجواء تحدها خطوط كبيرة توحي بالأعماق ،من خلال ملكته للخط
،يريد عبد الله الوصول إلى ملكة اللون ،محافظاً في الوقت ذاته على خط الإهتمام
الأساس"، وفي بداية الخمسينيات كان تقديمه الأول للعالم في باريس في معرض
أبهر النقاد كتب عنه فالدمار جورج الرجل الذي قدمه لباريس "هل بالإمكان
إعتبار حامد عبد الله نقطة إنطلاق لمدرة مصرية تنهل من ينابيع الغرب اللاتيني
ولكنه تحافظ على خواص هويتها المحلية لتنجز بذلك مهمة أصيلة! كل شيء يشير إلى ذلك
وكل شيء يدعو إلى الإعتقاد بذلك".
بعد عودته من باريس إستمرعبد الله في
مناوشاته بالخط ذلك الخط القوي الصرحي الحاد المتمرد الذي يحيط بمساحات لون قليلة
ولكنها مبهرة الغرض الأساس منها الحفاظ على الأبعاد والأحجام في تعبير شامل عما
أسماه إيمي عازار "طبقة سكرى ببؤسها ولكن كم هي مستيقظة" ،ويبدو هذا
واضحاً في لوحات كلوحة زلطة 1951م وامومة التي
رسمها في العام 1953م بعد عام واحد من ثورة يوليو التي إستبشر بها وسعى في
ركابها ثم تخاصم معها بعد حادثة كفر الدوار وإعدام خميس والبقري وإن كان ظل وفياً
لمشروعها القومي حتى اليوم الأخير من حياته اختلف مع يوليو ككل الحالمين بعالم
مثالي خال من حسابات السلطة والساعين إلى فردوس الإنسان على الأرض لكنه بقي مؤمناً
بالمشروع القومي وكرجل صعيدي شهم لم يعارض الحاكم أو الكبير في المحافل الأجنية بل
ساند النظام المصري في حرب 1956م وجاب العالم في معارض دفاعاً عن حق مصر وترك
فرنسا غاضباً غلى الدنمارك بسبب تشبيههم لعبد الناصر بهتلر ورسم أحد أشهر أعماله
أمهات الشهداء كما غستغل الإحتفاء الكبير به في الدنمارك للتعبير عن آرائه
السياسية وفي نفس الوقت أكمل دراساته وقراءاته وسعى لتطوير أدواتهأكثر وصقل
مهاراته واهتم بشكل خاص بالفخاريات وكتب الفن الإسلامي في تلك الفترة كما عكف على
البحث في التأثير المتبادل بين الشرق والغرب وكذلك محاولة الكشف عن المعالجات
الغربية لما تأثر به من فنون وتحليل الحلول التي توصل إليها الفنان الغربي لأنه
رأى أن إطلاع الغربيين على الكتابات الشرقية خاصة الهيروغليفية والخط الصيني
والعربي الإسلامي كانت حجر الأساس في بناء الفن التجريدي فند أن عبد كتب في أحد
ملاحظاته عن هذا التأثير "الفنان المسلم الذي منع عنه الدين الإسلامي رسم
الأشخاص أغنى فضاء العمل الفني بوحدات هندسية تجريدية ليرسم بطريقة مباشرة أشكالاً
تشخيصية تتكون من الفراغ الذي ترك أبيض" ،ومن إرهاصات هذه الدراسات بدأت
"إرتجالاته الخطية" وهو افسم الذي أطلقه على أعماله الحروفية وهذا الإسم
هو الوقع لوصف أعماله لأن عالم الحرف عند حامد عبد الله يختلف تماماً عن العالم
المتعارف علبه للحروفية وكان ذلك الوجه الذي رسمه إستيحاءاً من فسيفساء كنيسة
البلاتين مستخدماص التكوين البنائي لكلمة شكل هي المحاولة الناضجة الأولى لهذه
الإرتجالات وإن لم تكن هي المرة الأولى لبناء الشكل على الحرف بل إن أول إنتاج
لعبد الله في هذا الإتجاه كان في العام 1946م عندما شكل كلمة المل على هيئة فلاح
ذو جلباب أبيض يرفع يده بعنفوان للسماء وهو ما أعاد إنتاجه بشكل أكثر تجريداً
ومهارة في العام 1957م بعدها خط أمومه أيضاً في العام 1958م وهذه كانت بداية
الإرتجالات الخطية ،ما سعى إليه عبد الله في خطياته هو إنتاج الكلمة
"اللوجوس" فالرجل الذي كان مولعاً بكلمات القديس يوحنا رأى ان الكلمة
المجسدة هي التي تكشف حقيقة النجاة والخلاص ومصدر الحياة الخالدة ولكي تعبر كلمته
عن هذا المغنى عكف عبد الله على دراسة معالجة الفنان المصري القديم للجسد ليصبح
كلمة وكذلك على معالجات الفن القبطي لتحوير الحروف والمعالجات المجردة للفن
الإسلامي للكلمة تلك التي طوع فيها الفنان الحرف لتصميم على أشكال طيور ونباتات
وحيوانات والتي كان يراها الأكثر إكتمالاً وتجريداً ولكنه إختار الخط الشعبي وأوجد
حلاً لمعضلة الفنان الشعبي الذي كان يرسم أشكال القديسيين والأنبياء والأبطال ثم
يضفي عليها قداستها بكتابة أسماءها فوقها بأن جسدن الحرف العربي المصري الشعبي
وأعطاه بعداً إنسانياً شكلانياً لأنه رآه الأكثر حرية وقدرة على التطويع والتعبير
من حيث الشكل المعبر الForm وهو ما أعطى الكلمة القدرة على
التعبير عن أكثر من وظيفة ويجعل منها مصدر لقيم متباينة تضفي بعداً أكثر ثراء على
التجربة الجمالية وإستعان عبد الله بالمنظور الدائري الذي طوره من خلال دراساته
للمنمنمة الإسلامية خاصمة منمنمات الواسطي ومركزه المنتصف لإعطاء البعد الكوني
للأعمال ،ما اراده عبد الله هو إيجاد علاقة في كلماته بين المتعين المحسوس
والملموس واللامتعين علاقة تمكننا من تحديد هذا اللامتعين بشكل ما من خلال الجدلية
الديالكتيكية بينه وبين المتعين في محاولة منه لإثبات الوجود العيني المطلق
والواحد هذا الجدل بشكل ما يعكس معنى للقدسية بأصالتها ويعكس إندماجاً لعنصرين
ويشكل معنى للقدسية معنى للحب الصوفي المؤمن بوحدة الوجود ولهذا لجأ عبد الله إلى
إظهار وتأكيد الحالة الإستاتيكية للأرضية المتشققة الساكنة في لوحاته وجدليتها مع
الكلمات والحروف التي رسمها في حالة حركة ديناميكية قوية تعكس موسيقى نغمية عالية
وأكد على الحالة الصرحية للحرف بإستعمال وسائط جعلته بارزاً وخشناً وأقرب إلى
النحت ويعضد الملمس والكتلة باللون لتزيد الطاقة اللونية من حالة الحركة والبروز
في اللوحة ذلك لأنه أراد لهذه الكلمة أن تدخل حالة جدلية ديالكتيكية مع الكون
المحيط بها بكل عناصره حالة هي الأقرب إلى جريان الماء التحرك بكل زخمه فوق الأرض
الساكنة المتشققة وما يترتب عليها من ري ونمو وإحياء رؤية الفلاح المصري عبر
العصور ومنذ آلاف السنين لدورة الحياة ووحدة الوجود ،فالكلمة التي كتبها حامد عبد
الله ليست كلمة زخرفية ولا هي تعبير عن رأي يل هي الكلمة اللوجوس الكلمة التي
قرأها في الكتب السماوية الكلمة "التي هي دائماً الهيكل المصون لحقيقة الكائن
في كليته" الكلمة المشهد و"كل مشهد لا يريك الكثرة في العين الواحدة لا
يعول عليه" كما يقول إبن عربي ،الكلمة الخلاقة كما أسماها عبد الله الذي كان
يحلو له دائماً أن يستشهد بنص الكتاب المقدس "في البدء كانت الكلمة" حيث
آمن عبد الله أن الخيال الإبداعي هو الوسيلة الوحيدة للعبور بين الروحاني والمادي
بين الجسد والأرض من ناحية والسماء من ناحية أخرى وبأن الكلمة هي الشفرة التي توحد
ما بين العالمين ،وقبل الكلمة كانت الصورة التي رسمها الفنان البدائي على جدران
الكهف وحورها المصري القديم لتصبح حرفاً أو هيروغليفاً يربط علاقته بالأرض وأيضاً
بالسماء عبر الخيال كما يراه إبن عربي هذه الفكرة هي التي هيمنت على كلمات عبد
الله الخلاقة بكل أشكالها وإن كانت تنوعت بتنوع الغرض منها ليس من منطق الرواية بل
من منطق التعبير لم يكن يريد من كلمته أن تشرح حالة معينة بل أن تعبر عنها وتشير
إليها أو كما قال "الفن يعبر ولا يروي ،يشير ولا يشرح" ولهذا وفي لوحاته
التي تضمنت عبارات دينية مثل الله أكبر بالذات أوجد عبد الله حالة شجرية نباتية في
اللوحة وكأنه أراد أن يربط كلماته بشجرة الوجود ووحدته ، ولكي يستطيع عبد الله أن
يحول هذه الحالة الفلسفية إلى إبداع بصري كان لابد له أن يحكم السيطرة على أدواته
التقنية فلجأ إلى التجريب في الخامات وإستعمال الوسائط كالورق المكرمش والعجائن
والزجاج والمرايات والخيش والبولسترين واللينوليوم وأوراق الفضة وشرائح الألمنيوم
والقطران واستعمل الفرشاة بحرفية وأيضاً السكين ليعطي أشكاله الحركة الديناميكية
والرسوخ والصرحية والبنيان والتشخيص قال عن هذا الناقد الدنماركي ح.مولر نيلسون
"إن ما يشد أكثر عند حامد عبد الله شغفه بالسطوح البارزة الضخمة وبالمواد
الصعبة وغير المألوفة وبالأشكال الساحرة والعملاقة" ويضيف "وبهذا فهو
يشبه أسلافه بناة أبوالهول والتماثيل الهائلة لرعمسيس وكذلك الأهرام وتمثال ممنون
الضخم وكانت تلك هي المرة الأولى في تاريخ الفن التي تنتج فيها الأشكال الصرحية
وقد عاد ظهورها بشكل حديث في أعمال حامد عبد الله"، ومع ذلك كان الخط
هوالأساس في تجسيد الحرف الخط الذي يجيء منحنياً ملتصقاً بالأرض ملتفاً على نفسه
في لوحات ( كالعبودية -1964م) ،( هموم العيش -1957م) ،( العبد -1975م ) ،( المتمزق
- 1975م) ،و ( المرض - 1972م ) خط تشعر معه بإحساس بالذل والقهر لأن الكلمة تبدو
كجسد منحن مقهور على أرض جافة ساكنة متشققة وأستعملت هنا تشققات الأكريليك لتقوية
الشعور بالإنكسار الداخلي وإعطاء إحساس بالجفاف بالأرض الشراقي كما يسميها
الفلاحين وربما كانت لوحة ( القحط -1970م ) هي الأكثر تعبيراً عن هذه الحالة حيث
تظهر الكلمة هنا كغنسان متحور على نفسه والحروف بقع بيضاء على جسد أسود كانها تنحت
حفرة إلى داخل فضاء اللوحة وليس خارجها من خلال التاثير الديناميكي على أرضية صفراء
متشققة شقوقها سوداء مظلمة توظيف الألوان القليلة المتقشفة زاد من إحساس زاد من
إحساس المتلقي بفاجعة الموضوع نفس الأسلوب اتبعة في كلمة (التسوية – 1973م ) أما
لوحة ( التسليم – 1980م ) فتبدو فيها الكلمة كأنها تسبح في مستنقع من الوحل ذائبة
فيه مختلطة به.
في لوحات أخرى تبدو الكلمة كحائط صلد مكعب
جدار لفيف حائلاً أو مانعاً أمام أعيننا يتداخل فيه مساحات اللون على الظل الأسود
لزيادة الشعور بالتجسد بينما يعطي إحساس الورق المكركش بالتشقق والتصدع مثل لوحات
( القذارة -1964م ) ،( الجوع -1958م ) و( الجوع -1983م ) ،في كلمات أخرى تحي
بالعاطفة كمجموعة ( المحبة -1959م -1968م -1960م ) فمنذ الدراسات الأولى لها شكلها
على هيئة أجساد تحتضن بعضها بل تحتوي بعضها ثم اعاد تجريدها وأضاف إليها بقع اللون
ليقوي الشعور بالدفئ والإحتضان والإحتواء بل والإلتحام الإنساني فقد أراد حامد في مجموعة المحبة أن يصنع إشارة
حنونة للخصوبة والضم والوحدة هذه الحالة تتبدى أيضاً في لوحات ( كأمومة- 1962م ) و ( العشاق – 1959م و1961م ) حالة من الحميمية
والإحتضان والإنسانية الرقيقة تتمعشق فيها حروف الكلمة في كل واحد وتكوين دائري
لتشكل وحدة واحدة تتحد مع فضاء اللوحة في (المرأة والرجل- 1957م و1975م ) تبدو
دراسات الكلمة مستوحاة من التماثيل الفرعونية كتمثال خفرع الشهير حالة من الجلال
والشموخ والتواد لحرف أراد الفنان أن يكون حانياً وصلباً في نفس الوقت لذلك كان
الخط ليناً مؤنسناً محتوياً لبعضه ، على العكس تماماً كانت كلمو ( لا -1970م
و1977م ) التي رسمها بالأبيض والأسود بخامة الأكريليك على الورق بخط متحد قوي
محددة بالأسود مالئة لفضاء اللوحة وبنفس هذا العنفوان ولكن بديناميكية قوية تعكسها
الخطوط المائلة والحركة الدائرية التي تضفي حماسة وبهجة على اللوحة رسم لوحات
(الثورة – 1968م و1974م ) ،( الصمود -1974م و1968م ) وأيضاً لوحة ( الثوار – 1959م
) ،وكرجل يرفع يديه بقوة إلى الأعلى يذكرنا بكلمة ( أمل – 1968م و1970م ) كانت
الحرية راسخة الأقدام في الأرض رافعة الأذرع لعنان السماء ، كذلك عندما رسم ( إنهض
– 1970م و1982م ) أراد الحروف واضحة ومنفصلة عن بعضها وصريحة فلم يستعمل الإرتجال
الخطي الخاص به بل أوضح الحرف وابرزه كحرف بدون أي تلاعب على أرضية خالية من
التشققات وحيدة اللون كانه أراد لمن يقرأها أن يتأنى ويدرك المعنى بعيداً عن أي
تقنيات فنية تخرجه عن وحدة الموضوع أراد أن يخاطب المتلقي بوضوح برسالة وحيدة إنهض
فقط غير محملة بأي معاني أخرى جمالية كانت أو تعبيرية فقط في لوحة 1982م لجأ لتحريك
الحروف للدلالة على فعل النهوض.
أما في ( أكتوبرالعبور -1973م ) فقد كتب
الكلمات بتشكيل مؤنسن متلاحم ومتحرك على أرضية حمراء بلا أي تشققات في إشارة إلى
ان الأرض قد إرتوت بدماء أبناءها فتبدو الحروف في اللوحة الكبيرة نسبياً 130×240سم
كأنها تتسارع لتعبر ديناميكية الخط عضدت بالبقع اللونية القليلة من اللون الأصفر
وقواها التحديد بدرجات الأسود والرمادي على الأرضية الحمراء ،وفي مرحلته الأخيرة
التي يقول عنها إدوارد الخراط " إنها تشي بإتساق فريد بين الألم والوداعة بين
المكابدة ولوعات العذاب وبين المقدرة على تصفية هذه اللواعج وتنقيتها وتقبلها
وتجاوزها بل تجاوزها من دون إنكارها عودة إلى أصول صرحية تظل ماثلة في عمله
كله" ،في هذه المرحلة رسم لوحات مثل ( الفساد -1982م ) و ( إنفشاخ -1977م )
هذه المرحلة سبقتها مرحلة غاضبة كانت الحروف والألوان والأشكال تتشظى على سطح
اللوحة موحيةً بالقلق والغضب وحركة ثائرة تعززها الألوان والملامس (كالجبان
-1975م) و ( التسليم -1977م ) الكلمة التي رسم لها مجموعة كاملة و ( الصهيونية
-1972م ) و ( الشعب المنهوب -1975م ) التي رسمها بالأبيض والأسود على أرضيات
رمادية و ( مهموم – 1975م ) ،( المتمزق -1970م ) و ( العهر -1970م ) في هذه
المجموعات كان يعكس الغضب الشعبي العام وغضبه الخاص حتى أن متلقي اللوحة وإن لم يكن
يجيد العربية كان سيرى حجم الغضب والشعور بالعار والألم في حركة أجزاء
الحروف المشخصنة فيها هذا على عكس الحركة الموسيقية المتناغمة على إيقاع من الرقة
في لوحة مثل ( قصيدة -1970م ) التي رسمها في نفس الفترة أو الحالة الروحية الساكنة
ظاهرياً وغن كانت العناصر الزخرفية السابحة في بدن الحرف تخلق حركة في وسط السكون
في لوحة مثل ( تأمل -1970م ) ،أيضاً حالات التأمل هذه كررها في لوحات مثل الهمزة
وحرف الألف والقاف دائماً لم يكن الفيصل في اللوحات حتى التي كرر كتابتها أكثر من
مرة إختلاف الخامة بل إختلاف التعبير من خلال إختلاف تشكيل الحرف نفس الكلمة تحمل
كل مرة بمعان مختلفة تبعاً للطريقة التي رسمت بها ومع هذا لم يكتف الفنان بهذه
القدرة الفلسفية الآدائية العالية على التعبير عما هو حياتي وتعدي هذا للتعبير
بكلمته الخلاقة عما هو كوني فقد آمن عبد الله بقدسية الكلمة وبحث في الديانات
والميثولوجيا عما يثبت إيمانه بأن الكلمة مقدسة وبانها مفتاح وحدة الوجود منذ الميثولوجيا
المصرية التي نصت على أن تحوت ولد من كلمة
"ولد تحوت الذي خلق العالم من كلمة" وفي الإنجيل "في البدأ
كانت الكلمة" وفي القرآن الكريم "الله يخلق ما يشاء
إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون" ،فرسم لوحاته ( تحوت السماء والأرض)
على هيئة كلمتي سماء وأرض باللغة العربية مجسدتان كما هما في الميثولوجيا
الفرعونية في العام 1958م بالحبر الأسود على ورق ثم اعاد رسمها أكثر تجريداً
بالألوان في العام1978م ، اما تجربته في اللوحات الدينية التي كتب فيها أجزاء من
القرآن والكتاب المقدس فقد كانت تتميز بخصوصية الفكر والحالة وإستعمل فيها كل
قدراته التقنية ومهارته في إستخدام الخامات وقدرته على تطويع اللون ليخدم الفكرة
وليعبر عن الحالة الروحية للكلمة عن أنها المرآة التي تعكس حقيقة الكون وتظهر
تلاحم وحدته وأن الكلمة المقدسة هي الكلمة التي تحقق تناغم الكون مع الإنسان وتكشف
سر الخلود وأصل الجمال في هذه اللوحات لجأ عبد الله إلى تجزئة الأشكال إلى ما يشبه
الجزيئات كأنه يعيدها إلى مادتها الأصلية التي تشكل وتكون منها الكون كله هنا تفكك
إلى جزيئات متراصة داخل الأشكال التي تبدو وكأنها تسبح فوق الأرضيات وبجوارها أو
حولها النصوص المقدسة مكتوبة بالخط الشعبي كما هي بدون أي محاولة للتلاعب الفني
وبدون أي تشكيل زخرفي متوحدة مع الخطوط والأشكال المحيطة بها متناغمة معها بشكل
جميل ومثالي معبر عن مثالية الكون وجماله استعمل عبد الله في رسمه للأشكال اللونين
الأبيض والأسود لبيان أن المخلوقات والكون كله مجموعة من الظلال وأن الحقيقة
الوحيدة هي الحقيقة الإلهية وان الله هو الوجود الحق وما سواه ظل ،حتى اللوحات
القليلة التي إستخدم فيها القليل من البقع اللونية المتناثرة على تكوينات الجزيئات
هدف فيها لإضفاء البعد والحالة الكونية كلوحات ( سفر الرؤيا -1975م ) والآيات ( 21من
سورة الحشر و81 من سورة هود و53من سورة الكهف و13 من الفرقان -1976م ) و ( وتلك
آيات الكتاب المبين ) الآية2 من سورة الشعراء -1976م هي مثال قوي على هذه الرؤية
وذروة هذه التجربة الروحية بمقدار ماهي تجربة فنية ،أما عندما كتب (الموت ) في نفس
العام كتبها بنفس الطريقة التي يكتب بها كل المشاعر الحياتية الأخرى صاخبة قوبة
ديناميكية حقيقية وملموسة وإن كان وصفها على نفس الأرضية التي تشبه شقوقها
الجزيئات التي إستخدمها في حالاته الكونية وأراد أن يعطيها بعد أكثر كونية فإستخدم
اللونين الأزرق والأبيض في الخلفية مع تحديده للكلمة بظلال سوداء وعندما كتب الآية
القرآنية "وجاءت سكرة الموت بالحق" سورة قاف آية19 كتب بنفس الحركة
والديناميكية والوسائط مستعملاً أرضية بنية بلون الأرض وإحتلت كلمة سكرة منتصف
اللوحة لأنها حالة ملموسة ومرئية وليست كونية.
حامد عبد الله بحق هو واحد من أصحاب
المبادرات الإنسانية الصميمة التي عبرت عن نفسها بالخلق الفني هو مبدع شغل نفسه
بقضايا ناسه وبقضايا البشر وسعى لأن يعبر عن موقفه المنحاز دوماً للحق والخير
والجمال الكوني بكل ما أوتي من موهبة وأدوات لهذا لم يكن غريباً أن تحتل لوحاته
مكانها بين أعمال المبدعين الحقيقين في العالم بمعرض جاليري تيت ، لأنه الفنان
الذي وصفت عالمه أندرية شديد بقولها:
الإهتمام الواع يكفي .النظر يكفي
الكلمات دوماً فائضة عن الحاجة عندما تقترب من اللوحة
عالمه يحوي بعضاً من عوالمنا
أشياء تكشفها لنا عينه اليقظه
ويخلق عالمه الداخلي نتفاً نتفاً
يلاحق معاني الأشياء الغامضة أبداً والنابضة
هو يمشي بلا هوادة ويكدح
طريق الفنان متعددة المسارات ولا حواجز تحدها
الذي مرت عليه الأحقاب وحفره الزمن
ثم يجمد في مكانه ويصبح كالحجر الأثري
منعزلاً ملموساً ومهيمناً
أحياناً كان واحدها بتكثف
خلقت آفاقاً وأعماقاً
وتراكيب فوق بعضها
أخيراً تكاثفت الأحرف
المراجع:-
1-
روجيه جارودي – واقعية بلا ضفاف – ترجمة حليم
طوسون –دار الكتاب العربي –القاهرة1968.
2-
هنري كورين – الخيال الخلاق في تصوف إبن
عربي -ترجمة فريد الزاهد –دار المدى
للثقافة والنشر– بيروت2009م.
3-
جان برتميلي – بحث في علم الجمال – ترجمة
أنورعبد العزيز –إصدارات المركز القومي للترجمة – القاهرة2011م.
4-
جيرروم ستولنيتز- النقد الفني دراسة جمالية –
ترجمة فؤاد زكريا – الهيئة المصرية العامة للكتاب "مكتبة الأسرة" –القاهرة2013م.
5-
رولى الزين -الرسام عبد الله حياة وأعمال
الفنان حامد عبد الله – دار بشارى للنشر – باريس2014م.
80x65Cm - مهزوم 1963 |
1969 - تأملMeditation - 53x43cm |
المحبة1975 -20×26سم |
الموت1975 -34.6× 25.4سم |
شريدة1966- 116×89Cm |
صهيون1970- 46×38Cm |
قصيدة1970- 64×46سم |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق