الأحد، 4 ديسمبر 2016

مقبرة توت عنخ أمون ... خطوة في المعركة ضد الإمبريالية الثقافية - مقال شذى يحيى - مجلة الهلال عدد ديسمبر2016

مانشيت جريدة التايمز مالكة الحق الحصري للصور الأولى لإكتشاف مقبرة توت عنخ آمون 30يناير 1923م " التايمز في مقبرة الفرعون – الصور الأولى"


"هذا الكنز سيكون له فوائد مزدوجة ولكننا لم نفهم لماذا أهملت الحكومة مراقبة العمل منذ الإبتداء وحين الإكتشاف إيضاً ،ولماذا لم يوجد أحد حين إكتشاف هذا الكنز ومن القائم بحراسته الآن؟! .... تريد الأمة المصرية اجوبة صريحة على هذه الأسئلة وتريد قبل كل شيء أن تحتفظ الحكومة المصرية بكل هذه الآثار وتبقيها في المتحف المصري".
هذا مقطع من مقال كتبها رئيس تحرير جريدة مصر لصاحبها كيرلس المنقبادي في التاسع من ديسمبر1922م بعد شهر واحد فقط من إكتشاف هاورد كارتر لمقبرة توت عنخ آمون يعكس الجانب الخفي لقصة إكتشاف مقبرة الفرعون الشاب والصراع الذي إستمر لسبعة أعوام وشكل حلقة رئيسية من حلقات الصحوة الأولى للوعي المصري بأهمية الحفاظ على تاريخه كمصدر لفخره الوطني وهويته القومية ،وبالأخص ان هذا الإكتشاف أتى بعد نهاية كابوس الحرب العالمية الأولى التي أحدثت تحولات كبيرة على الضمير الغربي مذكراً الناس بأحبائهم الذين فقدوا صغاراً على جبهات الحروب وفي داخل الخنادق ،فالإكتشاف الذي كان له أكبر الأثر على ثقافة العالم بكل جوانبها في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين من فن تشكيلي وسينما وعمارة وتصميم أثاث وحتى الأغاني والثياب وتسريحات الشعر والمأكولات والمشروبات ، كان له أيضاَ أكبر الأثر على الإتجاه القومي والبحث عن أسلوب مصري ومدرسة مصرية لكل الفنون سواء الفن التشكيلي أو المسرح والسينما والعمارة وحتى طرز الأثاث ، فالصحوة الوطنية الثقافية التي واكبت ثورة 1919م وتأججت مع مقاطعة البضائع الأجنبية وشراء أسهم بنك مصر والإكتتاب على تمثال نهضة مصر ومقاطعة لجنة ملنر والمطالبة بالدستور وقبلها توكيلات الوفد بلغت ذروتها عن الدفاع عن حق مصر في الإحتفاظ بكل قطعه عثر عليها كحق غير منقوص للأمة المصرية الأمر الذي تحقق وكان بمثابة النصر الأول في معركة الثقافة القومية المصرية ضد الإمبريالية الثقافية البريطانية والأمريكية والأوروبية التي هيمنت على الإكتشافات الأثرية في مصر منذ قدوم البعثة العلمية المصاحبة لحملة نابليون على مصر ، بعثة أرست قواعد علم المصريات الأكاديمية ودعائمه  التي رسخت فيما بعد ،فكان هذا الجانب العلمي بمثابة البداية المبكرة لتطور العقلية الثقافية الإستعمارية في أوروبا بعد الحملة فقد كان لعلماء الحملة السبق في طرح أسئلة حول ماهية تاريخ وجغرافيا وقيم وتقاليد وهوية المجتمع المصري على الرأي العام الأوروبي الذي كان يسعى مسبقاً لكشف غموض هذا البلد المهم لأوروبا جغرافياً وكان أيضاً مسرحاً للكثير من القصص الدينية الإنجيلية فخاض رحالة من امثال ريتشارد بوكوك مؤلف كتاب وصف الشرق من (1743م -1745م ) وجيمس بروس الذي قام برحلات لأعالي النيل في 1790م لخوض المجهول حتى قبل الحملة لكشف أسرار أرض النيل ،وبعدها زيادة ولع البريطانين بمصر بعد هزيمة نيلسون لنابليون وذيوع صيت فك شامبليون لرموز حجر رشيد زادت رغبتهم في تعزيز إنتصارهم العسكري بإنتصار ثقافي خاصة بعد أن نشر الفرنسيين كتاب وصف مصر بعد سنوات من إنتهاء الحملة ومع تسابق بريطانيا والدول الإستعمارية الأخرى على مد أواصر صداقتها وعلاقتها مع محمد علي باشا والي مصر الجديد والذي كان يقود ثورة صناعية وإصلاحاً زراعياً ونهضة عسكرية جعلته لاعباً فاعلاً على مستوى حوض المتوسط والشرق الأدنى لأنها رأت فيه خطراً على مصالحها الممتدة عبر العالم ومع الصداقة المزعومة كانت تتسابق أيضاً لمد الباشا بالخبراء في كل التخصصات وفي إنشاء بعثات دبلوماسية ضخمة وايضاً في التوسع في التنقيب عن الآثار الذي كان الياشا في خضم ثورته الصناعية لا يرى فيها أهمية إلا كمصدر للدخل وعملة للمقايضة مع الأجانب وهدايا رخيصة التكلفة لهم ولذلك تم إفساد العديد من المقابر والآثار وهدم العديد من المعابد خلال إنشاء الطرق والترع والمنشآت الحديثة بلا تردد على العكس من هذا رأت البعثات المقيمة في مصر أن الحصول على أكبر قدر من هذه الآثار وشحنها إلى عواصمهم دليل على عظمة هذه الإمبراطوريات ووراثتها لهذه الحضارة العظيمة التي إندثرت في بلادها الأصلية وإزدهرت في بلادهم ،فلم يكتفي هؤلاء بالتجارة مع الباشا في الآثار بل قامت البعثات الدبلوماسية بتأجير وكلاء لها يجوبون أرجاء مصر لشراء الآثار من السكان المحليين ولعل المنافسة بين القنصل البريطاني هنري سولت والفرنسي بيونارد نيودروفين أحد أشهر الأمثلة على كيفية تطوير الثقافة الإستشراقية لتقليد جديد يرسخ لأن التنقيب عن الآثار ومعرفة تاريخ القدماء هو بمثابة الحوار بين حضارتين متقدمتين عبر الأزمنة وأن الثورة الصناعية الحديثة في حقيقتها إمتداد لثورة صناعية قديمة إزدهرت على ضفاف النيل وأتاح هذا التصور للعقل الأوروبي تفسيراً منطقياً لسبب إنهيار الحضارة الفرعونية ليحل محلها التخلف والجهل الذي تعيش فيه مصر في الحاضر وإلقاء اللوم على الغزو الإسلامي ومبادئ الإسلام ولإثبات هذه النظرية مولت مراكز الأبحاث والمؤسسات والجمعيات العلمية مئات البعثات الإستكشافية كما ادلى أغلب الموظفين الأجانب الذين إستقدمتهم الإدارة المصرية بدلوهم في هذه البعثات الإستكشافية وإمتلأت الدوريات الأوروبية بالأبحاث التي تدور حول مصر الفرعونية وإقتصرت مشاركة المصريين في هذه الأبحاث على بضعة مقالات نشرت في مجلة المعهد المصري بفرنسا كتبها رفاعة رافع الطهطاوي الذي كان واحداً من أوائل المصريين الذين إهتموا بعلم الآثار الفرعونية وكذلك بضعة أبحاث للمهندس المصري الأرمني جوزيف هاكيكيان ،والجدير بالذكر أن كلاً من الطهطاوي وهاكيكيان قد إشتركا في محاولة لحصر الآثار المصرية في العام 1830م وإستغرق الحكومة المصرية حتى عام 1850م لإنشاء أول إدارة للمصريات تحت إشراف الفرنسي أوجست مارييت ولإدراكها أنه لا يكفي التصنيع لنيل إحترام الأوروبيين بل لابد من وجود مؤسسات ثقافية وإظهار الوعي بأهمية الآثار ووضع مارييت قانوناً صارماً يجبر المنقبين والبعثات على طلب رخصة للإستكشاف من الحكومة المصرية وأيضاً على تسجيل المكتشفات وأحقية الدولة في ضم ما تراه مهماً منها لملكيتها وظلت إدارة المصريات حكراً على الفرنسيين حتى إحتلال مصر من قبل البريطانيين في العام 1882م ، فبعد هذا التاريخ سعى الإنجليز لتحويل مسار الحياة الأكاديمية والعلمية والثقافية المصرية بالكامل تجاه لندن بدلاً من باريس مما زاد من حدة سباق الإستكشاف بين العاصمتين ،ومع إزدهار السياحة النيلية وما عرف بإسم رياضة التنقيب عن الآثار زاد إزدهار الدراسات الأثرية الكولونيالية وبالطبع لم يكن هذا يحظى برضا المصريين ولكنهم لم يكونوا يملكون الكثير لتغييره وإستمر هذا الوضع لما بعد الحرب العالمية الأولى وقيام ثورة 1919م التي أججت المشاعر الوطنية المصرية وجعلت للمصريين صوتاً مسموعاً على كافة الأصعدة مما دفع بيير لاكو مدير إدارة المصريات في تلك الفترة وبإلحاح من الضغط الصحفي والشعبي على الأخص بعد أن أصبح إهتمام المصريين بتاريخهم الوطني شاغلاً عاماً حتى أن مجلات تلك الفترة ومن قبل إكتشاف مقبرة توت عنخ آمون حفلت بمقالات عن علم المصريات وأسرار التحنيط وأمراض الفراعنة كتبها شباب مصريون نوابغ من أمثال الأثري أحمد كمال والطبيب حسين كمال للإعلان في العام 1921م عن تغيير قانون للترخيص بالتنقيب عن الآثار بحيث أن يكون من حق الحكومة المصرية أن تحصل على كل الآثار المكتشفة أو في أن تختار منها بناء على تقديرها لمدى أهمية هذه الآثار بدون أية إستثناءات لأية جهة وقد أثار هذا القرار حفيظة الموظفين الإنجليز العاملين في هيئة الآثار مما دفع أحدهم وهو المدعو ألبرت ليثجو الذي كان يكره الموظفين المصريين الجدد في الإدارة ويرى أن التنقيب عن المصريات هو من إمتيازات العرق الأوروبي الأبيض وأنه بمثابة الإثبات للسيادة والهيمنة الإمبراطورية إلى رفع مذكرة إلى راعي المصالح الأمريكية في القاهرة الدكتور جي .ميرتون يأمل فيها منه أن يتدخل لدى السلطات لمنع إقرار هذا القانون الظالم والمخالف لروح العدالة وللمعاملة التي  كان يلقاها المنقبون في الأعوام السابقة وأوضح أن الخبراء الإنجليز في الإدارة لا يستطيعون التعبير عن رأيهم هذا صراحة لأسباب واضحة ولكنهم يأملون من الدكتور ميرتون أن يرفع شكواهم هذه للورد اللنبي ليتصرف فيها ولكن اللورد اللنبي كان لديه في هذا التوقيت ما يشغله عن ذلك ألا وهو الغضب الشعبي المصري والمطالب المتصاعدة لإلغاء الحماية وإنهاء الإحتلال.
ووسط كل هذه الجلبة التي كانت تحيط بمصر وفي 4نوفمبر 1922م إكتشف هوارد كارتر ومموله اللورد كارنرفون مقبرة توت عنخ آمون، ومنذ اللحظة الأولى تعامل كارنرفون وكارتر بكل صلف مع إدارة الآثار ومع الصحف المصرية التي فوجئت بأن اللورد قد باع الحقوق الحصرية لصور وأخبار الإكتشاف لجريدة التايمز اللندنية في صفقة هي الأولى من نوعها في التاريخ مقابل خمسة آلاف جنيه إسترليني ،وبدأت الصحف المصرية هجوماً شرساً على اللوردوكارتر، فكتبت الأهرام في عددها الصادر في 4ديسمبر أن اللورد منع مراسلي الصحف المصرية و12من أعيان الأقصر من مشاهدة الكنز الأثري العظيم من ميراث أجدادهم وأنه يلفت نظر الرأي العام لذلك ويطالب الحكومة بأن تنتدب مندوبين لحصر الكنز والإستيلاء عليه ونشرت على صفحتها الأولى مقالاً في الثامن من ديسمبر مقالاً مطولاً عنوانه آثار مصر يجب أن تبقى لمصر أكد فيه الكاتب أنه على السلطات المصرية أن لا تكترث للحملة الصحفية البريطانية الداعية إلى الحصول على حصة من كنوز المقبرة للورد كارنرفون لأنه أنفق أموالاً طائلة على هذا الكشف ،أما جريدة مصر سالفة الذكر فقد كانت نشرت في عددها الصادر في 4ديسمبر 1922م في الصفحة الثالثة مقالاً بعنوان "كنوز مصر يجب أن تحفظ فيها" ذكر به "إن هذه الآثار الثمينة التي إكتشفت ماهي إلا مصرية ويجب حتماً وشرعاً وعرفاً حفظها لمصر وعرضها على كل من يريد من أبناء مصر فأملنا في الحكومة عمل التدابير اللازمة لذلك" ،ونشرت موضوع آخر آخر في السادس من ديسمبر كتب فيه "لا يسوع إحتقار المصري في بلده إلى حد منعه من مشاهدة آثار بلاده ولا يسوع للحكومة أن تفرط في مثقال ذرة من هذه الآثار التي تقدر بملايين الجنيهات" و يستطرد المحرر في كلامه "يكفي ما تبدد من تراث أجدادنا في أوروبا يكفي ما نقل منها إلى متاحف إنجلترا وغيرها " ،أما مجلة اللطائف المصورة فقد نشرت بتاريخ 22يناير 1923م التالي "ومما يسرنا إثباته أن الجرائد العربية ستعطى التفاصيل والمعلومات كما تعطى للجرائد الإفرنجية بدون مقابل ولكن مما يؤسف له أن الحكومة لم تذكر شيئاً عن الصور الجاري تصويرها داخل المدفن بواسطة رجال كارنرفون والتي إحتكرتها جريدة التايمز لتنشرها على قرائها الإنجليز ولا سبيل للصحافة المصورة المصرية إليها فما قول حكومتنا في ذلك؟ وهل هذا من العدل؟" ،وكان هذا الكلام تعقيباً على البيان الرسمي الذي كانت قد أصدرته وزارة الأشغال العمومية ونشر في الأهرام بتاريخ 22ديسمبر جاء فيه "عما قريب تتخذ التدابير اللازمة لنقل هذه العاديات لدار الآثار المصرية بالقاهرة وتنظر الحكومة بعد ذلك فيما إقترحته لجنة حفظ الآثار نحو مكافأة اللورد كارنافون إعترافاً بخدمته للتاريخ" ،وهذا البيان جاء بناء على طلب رسمي من بيير لاكو لكارتر وكارنرفون بتزويد الصحافة المصرية بتقرير يومي عن ما يجري في أعمال التنقيب وهو الخبر السار الذي زفته مجلة الهلال هي الأخرى لقرائها في عدد يناير 1923م مطمئنة إياهم أن كنوز مصر سوف تظل في مصر فنشر محرر باب سر العلوم والفنون تحت عنوان إستكشاف تحف أثرية عظيمة الشأن ،"أما مصير تلك الآثار فليس هناك على ما جاء من بلاغ رسمي من وزارة الأشغال المصرية – ما يدعو لإنزعاج الرأي العام فإنه نظراً لما كانت تعمله وزارة الأشغال العمومية من أهمية منطقة وادي الملوك من الوجهة الأثرية ولما كان منظوراً من العثور فيها على آثار قيمة  فقد نص صراحة في الترخيص المعطى للورد كارنرفون على أنه لايكون له أي حق في الإستيلاء على شيء مما قد يعثر عليه" ،ولم يقتصر كلام الصحف والمجلات المصرية على المطالبة بالحقوق الوطنية الكاملة في الإكتشاف فقط بل أظهرته كمصدر للفخار القومي وربطته بالأحداث الجارية على أرض مصر ومطالب إستقلال أمة مجيدة لا يليق بها أن تحتل أو تهان فنشرت اللطائف المصورة في عددها الصادر يوم 29يناير 1923م كاريكاتير يمثل توت عنخ آمون قائماً من رقدته في التابوت مشيراً للورد كارنرفون قائلاً "فهم شعبك الذي يدعي المدنية أن مصر كانت ولا تزال عريقة في المجد منيعة الجانب تحميها الآلهة وتثأر لها من الغزاة فإغسلوا الإهانة التي ألحقتموها بها وأعيدوا إليها زعيمها الأكبر سعد زغلول وإلا استنزلت روحي عليكم السخط والنقمة إلى الأبد.
كما نشرت المقتطف في عددها الصادر في فبراير 1923م قصيدة طويلة كتبها أحمد بك شوقي إحتفاءً بعظمة الحدث جاء في مقطع منها:
خرجت من القبور خروج عيسى  *  *  *  علـيك جـلالة فـي العـالمينا
يجـوب البرق بإسمـك كـل سهـل  *  *  *   ويخترق البخار به الحزونا
وأقسـم كنت فـي لـوزان شغــلاً   *  *  *   وكنت عجـيبة المتفاوضـينا  
أتعـلم أنهـم صـلفوا و تـاهـوا    *  *  *   و صدوا الباب عنا موصدينا
و لـو كـنا نـجر هـناك سـيفاً     *  *  *    وجـدنا عـندهم عطفاً و لـينا
سيقضي كـرزنٌ بالأمـر عـنا     *  *  *    و حاجات الكنانة ما قضينا
وصاحب هذا الوعي الصحفي المصري وعي أيضاً بأهمية توعية الشعب بخطورة سرقات المقابر على الذاكرة الوطنية المصرية فنشرت المقطف مقالاً عن هذا الموضوع في عدد أبريل 1923م بمناسبة مرور أربعة أشهر على الإكتشاف الكبير تناولت فيه تاريخ سرقات المقابر والآثار الفرعونية منذ القرن الخامس الهجري وكيف أن هذا قضى على مدن بكاملها ومحاها من الوجود.
وقد شكل شهر أبريل علامة فارقة في الأحداث المثيرة التي صاحبت هذا الإكتشاف ففي الخامس من أبريل1923م توفي اللورد كارنرفون تاركاً كارتر في خضم مشاكله مع الإدارة المصرية ومع الرأي العام المصري ،ولإفتقار كارتر للدبلوماسية  ولتعاليه وصلفه الشديدين فقد إكتسب المزيد من الأعداء من كل الجهات ووضع لاكو في موثق حرج وعلى الأخص بعد توافد السياح من كافة أقطاب المعمورة لرؤية الإكتشاف والطلبات الرسمية من دول العالم للزيارة ورفض كارتر وتعامله بصلف مع هذا كله بينما تواصل جريدة التايمز نشر الأخبار والصور في أنحاء المعمورة.
وهي الفرصة التي لم تفوتها اللطائف المصورة للتذكير بهذا فنشرت في عددها الصادر بتاريخ 16أبريل رثاء اللورد كارنرفون جاء فيه "لقد كان لموته وقع أليم في نفوس المصريين رغم ماعرف عنه رحمه الله من الإستئثار بالسلطة في وادي الملوك والتحيز في إعطاء الأخبار لجرائد بلاده فإن المصريين لا ينكرون الجميل فاللورد خدم مصر بإكتشافه الذي جاء في وقت تسعى فيه الأمة المصرية لنيل إستقلالها وحريتها فكان عمله أشبه برفع الستار عن ماضي مصر والمصريين أمام العالم فذكر الحكومات بأن المصريين هم سلالة الفراعنة العام الذين سبقوا العالم في المدنية والعلم" ،وبعد وفاة اللورد إستطاع كارتر إقناع زوجته بالإستمرار في رعاية الإكتشاف ولكن طمعها دفعها لإعادة بيع حقوق تغطية الإكتشاف الحصرية للتايمز مرة أخرى وهو ما إستفز المصريين أكثر مما إضطر كارتر للجوء للخديعة فقام بمنع  التغطية الصحفية للحدث بالكامل ثم عين ميرتون مراسل التايمز في الأقصر كعضو في فريق العمل الإستكشافي الخاص بالمقبرة وأثار هذا غضب وحفيظة إدارة الآثار التي أصبحت هدفاً سهلاً في مرمى الرأي العام بشكل مستمر ومحل إنتقاد من الوطنيين المصريين على مختلف مشاربهم وما زاد وضع كارتر سوءاً  تعيين مرقص حنا بك وزيراً للأشغال العمومية فالرجل الذي كان مناضلاً وفدياً صميماً سبق أن حكم عليه بالإعدام  لم يكن لديه إستعداد للتفريط ولو في ذرة من حقوق بلاده الوطنية فبدأ في إتخاذ إجراءاته لوقف مهزلة إستحواذ كارتر ومساعديه الأمريكان والإنجليز على المقبرة ،ولم يفهم كارتر سبب هذه الإجراءات من قبل الوزير الجديد وعزاها إلى الغيرة من إنجازاته وهذا زاد من مساحة سوء الفهم بينه وبين المصريين فما كان من الوزارة إلا أنها رفعت السقاله الخشبية التي تؤدي إلى مدخل القبر وزاد هذا من غضب كارتر فأغلق باب المقبرة بالكامل في 12فبراير 1924م وترك الممر الخشبي معلقاً في الهواء ووضع مذكرة في صالة الونتربالاس كتب فيها "نتيجة للقيود التي لا تطاق ولقلة تقدير وزارة الأشغال العمومية وإدارة الآثار التابعة لها لفريق العمل القائم على مقبرة توت عنخ آمون فقد قرر هؤلاء أن يتوقفوا عن أية أعمال تختص بالإستكشاف إحتجاجاً على هذه المعاملة" ،ولأن هذا لم يكن إخطاراً رسمياً إعتبرت إدارة الآثار هذا العمل مخالفة صريحة لشروط الترخيص فأعلنت من جانبها أن السيد كارتر وفريق عمله قد أنهوا عملهم بالكامل في المقبرة ورغم محاولات كارتر المستميته وضغوط الحكومات الغربية فإن المصريين لم يتراجعوا عن قرارهم وغادر كارتر مصر إلى أمريكا ولم يعد مرة أخرى إلا بعد مقتل السرادار لي ستاك وسقوط حكومة الوفد وسيطرة البريطانيين مرة أخرى على الحياة السياسية في مصر ، أجل عاد كارتر على أسنة الحراب البريطانية في الأول من يناير1925م ولكن نصره كان بطعم الهزيمة فقد كانت شروط عودته تقتضي بأن لا يكون هناك أي مراسل للتايمز تحت أي مسمى وأن يوافق رسمياً على أن ممتلكات المقبرة بأكملها هي ملك للحكومة المصرية وأن تمول إقطاعية اللورد كارنرفون الإستكشافات في المقبرة حتى العام1930م بما يقدر بحدود 36ألف جنيه إسترليني وبعد هذا تتولى الحكومة المصرية الإنفاق عليه ،وإستمرت أعمال الحفر والتنقيب في المقبرة سبع سنوات بعد ذلك وبهذا إنتهت هذه المعركة بإنتصار الإرادة الوطنية القومية على الصلف الإمبريالي الأوروبي وبنهايتها وضعت مصر يدها بالكامل على كنوزها التاريخية وخطت الخطوة الأولى على طريق إيجاد ثقافة وطنية نابعة من حضارتها وتاريخها خطوة ستتبعها خطوات.



باب مقبرة  توت عنخ آمون وأمامه عدد من عمال الحفر المصريين أفراد من المنقبين العاملين مع كارتر

الصورة الأولى للقناع الذهبي لتوت عنخ آمون بعد كشف غطاء الكتان من عليه

غلاف مجلة اللطائف المصورة ويتصدره رسم تخيلي لمدخل مقبرة توت عنخ أمون

كارتر يقف أمام باب مقبرة توت عنخ آمون بين عمال الحفر المصريين

عمال مصريين يحملون صناديق تحتوي على كنوز مقبرة الفرعون الصغير

هوارد كارتر يفحص التابوت الذهبي لتوت عنخ آمون

هوارد كارتر  وعملية تغليف بعض القطع الأثرية التي وجدت في مقبرة توت عنخ آمون لتجهيزها للنقل

هوارد كارتر إلى جواره اللورد كارنرفون وزوجته ومعهم عدد من مجموعة الإستكشاف في صورة تذكارية بعد الإعلان عن الكتشاف

هوارد كاتر وأعضاء الزيارة الرسمية الحكومية المصرية أثناء فتح تابوت مومياء توت عنخ آمون

كارتر في المنتصف وخلفه مساعده آرثر كلندر إلى جانبه أحد العمال المصرين أمام أحد صناديق الدفن في مقبرة توت عنخ آمون فبراير 1923م


صورة لعدد من الأفواج السياحية التي نظمت لها رحلات لزيارة المقبرة الكشف