منذ عشرات القرون كانت التماثيل البرونزية الأكثرتفضيلا في الفنون الآسيوية و في الهند خاصة كأسلوب لتمثيل الآلهة و القديسين وللتعبير عن تراثهم الثقافي و الحضاري لسهولة تحريكها في الالحتفالات من جانب ولكونها ال تبلى و لا تكسر بسهولة من جانب آخر و هو ما انعكس على حرفة صب البرونز ومدى التطور الذي بلغته عبر الحقب و العصور و الإتقان و المهارة و الحرفية العاليةالتي وصل إليها الفنانين في هذا المجال و الروحانية و الجمالية التي عكستهاتماثيلهم ، و هو ما جعل لهذا الفن مكانة مميز في التراث الفني الانساني و مكنته منأن يستمر و يبقى بنفس أساليبه و تقنياته حتى وقتنا الحاضر فقد صنعت هذه التماثيللتبقى خالدة عبر الأزمنة .
و قد عرفت منطقة نهر الهندوس صب المعادنلصناعة تماثيل الآلهة منذ حوالي الخمسة آلاف عام بالتقريب عندما استعملت لأول مرةتقنية الشمع المفقود و التي تعتمد ببساطة على صناعة التمثال من شمع العسل سواء حولقالب من الطين أو مصمطاً تماماً ثم دفنه في قالب من الطين أو الرمال و ترك قناةلصب المعدن ليتشكل التمثال البرونزي و هو ما يعتبره الهنود إحدى الاشارات على دائربةالزمن و إعادة الخلق و بعد أن يبرد البرونز يكسر القالب و ينظف التمثال و تزالالزوائد لتوضع عليه اللمسات النهائية ثم يلمع و يصقل لتصبح هذه النسخة الوحيدة منهو لا يمكن تقليده مرة أخرى و لا مثيل لها على مر الزمن ، و قد بلغت هذه التقنية أقصى درجات تطورهاالتقني و الأيقونوجرافي في عصر أسرة شولاChola في الفترة من(860-1279م) فلم يعد المعرفة بتقنيات الصب و إمكانيات الخامة هي معيار المهارة فقطبل أصبح لابد أيضاً أن يكون الفنان عارفاً بدلالات الحركات و الزي و الحلي و الأدوات التي يحملها التمثال و أن يعكسالتمثال بدقة كل القيم الروحية و الجمالية و الإنسانية التي يمثلها صاحبه ، و منأوضح المثلة على التقدم الفني و الفكري للنحت البروزي عهد الشاولا تمثال فيشنو ذو الأذرع الأربعه الذي صنع في حدود العام1100م و فيشنو هو الإله الحافظ في الثالوث الهندوسي المقدس " براهما- فيشنو –شيفا " و هو الإله الموسيقي عازف الناي و الأكثر تمثيلاً في الدب و الشعر والفنون عامة و إن كان هذا من التماثيل النادرة التي صنعت له في عصر الشاولالتقديسهم للاله شيفا ، و يظهر فيشنو فيهذا التمثال على قاعدة مربعة تميزت بها تماثيل حقية شاولا لسهولة حمله فيالمهرجانات فوقها تستقر قاعدة زهرة اللوتس التي هي رمز الكمال و الامتياز و إحدىعلامات الاكتمال الروحي ينتصب فوقها التمثال الذي أظهره الفنان بشكل يعكس الجرأة والقوة و التوازن مع ما يحيطه في يده اليسرى العلوية يحمل الصدفة المخروطية التيعندما نفخ فيها بدأت قصة الوجود و هو يحمي بصوتها الكون و في يده اليمنى العلويةيحمل عجلة العدالة لحماية الحقوق و كلا الرمزبن مزين بألسنة من اللهب الذي يرمزللإشعاع الصادر من طاقة الإله ، اليد اليسرى السفلية تشير بإشارة لتخفيف آلام ومعاناة المعذبين و المتألمين و اليمن السفلية تجاوبها بإشارة الاطمئنان و السلامللبشرية و قد زين التمثال بالأساور و العقود لإضفاء الفخامة عليه و كذلك على رأسهيوجد تاج العالم لإضفاء المزيد من الهيبة و الجلال و السطوة و يتدلى على كتفهالخيط المقدس الرامز لارتباط الإنسان بالكون و الوجود و تظهر جودة و تقدم الصناعةفي الرداء الذي يرتديه التمثال بطياته و حوافه و تنياته و كذلك في تلوين بعذأجزاءه باللون الأحمر و كذلك تعبيرات الوجه التي نحتت بدقة و عناية لتعطي الإيحاءبالملجأ و الملاذ و الأمان و الحفظ فهذا التمثال إنعكاس لأحد أهم جوانب ثقافتهالتي تؤمن يالانسجام مع الوجود و التوحد معه ففيشنو بأذرعه الأربعة هو تعبير عنإيقاع الحياة و وحدة الوجود و إشارات يديه هي تعبير عن الكارما فهي ملجأ الضعفاء ودمار الأشرار و كذلك هي انعكاس المحبة القلبية و الطاقة الروحية .
إن تاريخ تشكيل المعادن و صب التماثيل فيجنوب الهند تاريخ عظيم مازال مستمر حتى يومنا هذا بفضل الفنانين و الصناع الذينمازالوا يحيون التراث القديم المكتوب و المسموع و الحفاظ حتى على الشكلالأيقونجرافي الذي يؤمنون بأنه بالحفاظعليه و على الطرق و الساليب القديمة في الصناعة فانهم يوجدون جزأ من حضور الإله فيالتمثال ليستمع لعبادة المؤمنين به .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق